يعتمد تجريبه على الجمع بين التصوير، والتصوير الفوتوغرافى فى محاولة لابتكار صياغات جديدة فى معادلة المسطح والفراغ، النور والظل، فى حوارهما مع التقنية والخامة؛ ورقاً كانت، أو خشباً، أو نسيجَ توال. بعد طباعة الفوتوغرافيا الضوئية على الخشب أو التوال، يبدأ دور ريشة الفنان فى المحو أو الإضافة فى معالجات لونية، يتباين عبرَها الصوغُ الأسلوبىُّ ما بين التجريد تارةً، والتعيين والتشخيص تارةً أخرى، أو قد يمزج بينهما؛ فيقفُ التشكيل على نحو مخاتل بين الرمز وبين الإشارة الصريحة. أبطالُ لوحاته وجوهٌ وموجوداتٌ وتشكيلات هندسية تحمل الكثير من الكلام والتأويل والرمز. ولأن مدارس النقد الفنيّ الحديث لم تعد تؤمن بمقولة «إن المعنى فى قلب الشاعر/ أو الفنان»، بل انتقل المعنى ليسكن فى عين المتلقى أو القارئ أو المُشاهِد، فيحقُّ لنا، كمتلقين، أن نساهم فى بناء المعنى، مع الفنان، بعدما وضع هو لنا «المبنى» بعدسته وريشته وباليتة ألوانه، وطبعا برؤيته الخاصة للحياة وطريقة إنصاته إلى وقع العالم. عاطف أحمد، فنان تشكيليّ مصرى شاب، من مواليد 1969، حاصل على ليسانس آداب وتربية، وأنجز دبلوما فى الفنون الشعبية، ودراسة فى «الوشم»، بوصفه طريقةً للتعبير الشعبيّ. له تجاربُ عديدة فى تصميم الديكور المسرحيّ، كما شارك فى إنجاز فيلم وثائقى حول الانتفاضة عنوانه «سينين وهذا البلد الأمين» عام 2001، عطفاً على مشاركته فى عديد من الورش الفنية، وإقامته العديد من المعارض المنفردة فى مركز الفنون وأتيلييه القاهرة، وحصده العديد من الجوائز. وتتوزّع بعض أعماله كمقتنيات بين متحف الفن المصرى الحديث، صندوق التنمية الثقافية، إدارة المنح والتفرغ، هيئة الاستثمار، المجلس الأعلى للشباب، جامعة طنطا، مراسم الأقصر، إضافة إلى أعمال اقتناها أفرادٌ فى إنجلترا وهولندا وألمانيا. أحد أجمل معارضه كان العام 2007 وحمل عنوان «دواير». كيف يمكن للدوائر أن تخلق فيما بينها علاقاتٍ تكوينيةً ثريةً تحمل دلالات وطاقات بصرية لا تنتهى. دوائرُ متراصةٌ جوار بعضها، أو معلّقةٌ فى الفراغ. تتجاور ولا تتقاطع، تتنافر بأكثر مما تتجاذب. تلك طبيعة الدائرة: التعالى والتمركز حول النفس. فالدائرة كائن مكتفٍ بذاته، لا يقترب من الدوائر الأخرى أو الخطوط إلا فى لحظات تماس طفيف (تماس سطح الدائرة مع دائرة أخرى، أو مع خط، فى نقطة واحدة من محيطها). فهى لا تهبُ من نفسها للآخر إلا لحظةَ تماس خاطفة، خلال نقطة التماس النحيلة تلك. فهل نصدق الفنان حين سُئل عن سبب المعرض فقال إن الدائرة هى الوجود الأشمل، هى الكون والإنسان، أم يجوز لنا أن نتخابثَ ونؤوّل تلك الدائرة على أنها الشرنقةُ التى تحيط بالفنان وتحجبه عن الآخر/ الإنسان، أو عن العالم المحيط، بفظاظته ولا آدميته؟ فى معرض عنوانه «حقائب»، يحاول عاطف أحمد «التلّصصَ» على حقيبة المرأة، بوصفها عالماً رحباً يحمل الكثير من الرموز والأسرار والخبايا. مفتاحُ البيت، الذى يفتح لنا كوّة على مكان ثرىّ بما يحمل من أشخاص وموجودات وذكريات. المرآة، بوصفها «الأنا الأخرى» التى تسمح لنا بأن نرى ما يراه الناسُ، بينما يستحيل أن تراه عيوننا: وجوهنا. نوتة المذكرات، بكل ما تحمل من أفكار وأحداث وملاحظات حول العالم والعالمين. كيس النقود، الذى هو حبلُ الوصل بيننا وبين ما نريد من الآخر، وربما كذلك علبة الماكياج، التى تضعنا حيث نريد نحن، لا حيث أرادت لنا الطبيعةُ أن نكون...إلخ. وفى نظرى يعدُّ «الفلاح المصرى» أحد أجمل وأرقى أبطال لوحات فناننا المصرى عاطف أحمد. الفلاّح المصرى، والفلاحة المصرية، فى لحظات العمل والسكون والحزن والفرح، وكذا فى لحظات الشرود المتأمل. يغيبُ الوجه تارةً ليظهر لنا الظهر يحمل الزيّ القروى الزاهى، ويغيم الوجه تارةً فيختلطُ بوجوه كل البشر فى جميع أرجاء الأرض، وفى تارات أخرى يظهر الوجه بجلاء محفورةً ملامحه على صفحة اللوحة. فى محاولة من الفنان لاكتشاف مدى صحّة نظرية «وحدة العقل البشريّ» فى الكون، التى تذهبُ إلى أن الإنسان واحدٌ مهما اختلف لونه وعِرقه وجنسه وفكره. هل تتلاقى أفكار الإنسان المصريّ المحلى مع أفكار الإنسان/الآخر فى أى مكان على هذا الكوكب؟ وإلى أى مدى؟ تحيةً لهذا الفنان الموهوب الجاد، صاحب المشروع المميز. [email protected]