نقلت جريدة «نهضة مصر» فى عدد الثلاثاء الماضى عن عمر البشير- بعد إعلان فوزه بنسبه 92.99% من أصوات الناخبين فى الانتخابات السودانية- قوله: «أمريكا الآن فى جيبى وهى الآن عضو فى المؤتمر الوطنى»!!. وللتذكرة فقط، فقد أعلن فوز السيد عمر البشير فى انتخابات اتفقت جميع القوى السودانية سواء تلك التى اشتركت فيها أو تلك التى قاطعتها على أنها زورت بغباء، وانتشرت مقاطع مصورة على مواقع شبكة الإنترنت تكشف عمليات التزوير الواسعة والمكشوفة. وربما يكون من المفيد أن نُذكر أن هذا التزوير الواسع النطاق قد جرى تحت أعين، وربما فى حماية مراقبين دوليين لم يكن فى ظن أحد أن يقبلوا بالمشاركة فى الرقابة على انتخابات كان من المعروف أنها لن تكون نزيهة وشفافة ومحايدة قبل أن تبدأ. تطرح انتخابات السودان التى زورت تحت بصر وسمع العالم أكذوبة الرقابة الدولية، التى يتصور بعض النشطاء المدنيين وغيرهم فى مصر أنها قادرة على ضبط الانتخابات البرلمانية القادمة. فمن ناحية بات واضحاً أن المراقبين الدوليين يتصرفون بعيداً عن المعايير الدولية، وقريباً من سياسات حكوماتهم بشكل يجرح استقلال مؤسساتهم، فليس سراً أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا باعت الديمقراطية فى السودان مقابل ضمان انفصال الجنوب الغنى بالبترول والموارد الطبيعية. ومن ناحية ثانية فإن الرقابة الدولية لا تكون فعالة ما لم يرافق المراقبون عملية الانتخابات منذ بدء تحديد الدوائر الانتخابية وحتى التسجيل فى الجداول وإعداد أوراق الاقتراع ثم التصويت، وهو أمر لا يمكن أن تقبله الحكومة المصرية، فأقصى ما توافق عليه- إن وافقت- هو الرقابة على مرحلة التصويت وبضوابط تجعل اكتشاف التلاعب صعباً. ومن ناحية ثالثة فإن القيمة الحقيقية للمراقبة الدولية هى أن يكون المجتمع الدولى على استعداد لرفض نتائج الانتخابات والضغط لإعادتها والامتناع عن التعامل مع الفائز باعتباره مستفيداً من التزوير إن لم يكن مشاركاً فيه، وهو أمر وإن حدث على استحياء فى أفغانستان، فإنه من الصعوبة بمكان تصور حدوثه فى الحالة المصرية بالتحديد ليس فقط للمكانة المرموقة التى تحتلها مصر فى هذا الجزء من العالم، وإنما أيضاً لأن من شأن تلك الخطوة أن تربك الحسابات السياسية لأطراف كثيرة فى داخل المنطقة ومن خارجها.. ما العمل؟ سؤال أتصور أن الأوان قد آن للإجابة عنه بصدق مع النفس. دعونا أولاً نسلم بأن النظام السياسى المصرى يقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة يستمد فيها شرعيته الأساسية من نزاهة الانتخابات، بعد أن ظل خلال ما يقرب من ستين عاماً يستمدها عبر شرعيات تاريخية مختلفة، المشاركة فى ثورة يوليو مرة، وحرب أكتوبر مره أخرى، ودعونا نعترف بأنه يمكن حتى فى ظل قانون مباشرة الحقوق السياسية الحالى، وحتى دون إشراف قضائى كامل، الخروج بانتخابات تقترب كثيراً من المعايير الدولية حتى لو لم تطابقها، عن طريق بعض التعديلات الطفيفة فى سير العملية الانتخابية والقواعد المنظمة لها. وإن جاز لى أن أقترح فإن الأخذ بفكرة المجمع الانتخابى يمكن أن تكون جزءاً من الحل، فعن طريق الجمع بين أكثر من لجنة انتخابية فى مكان واحد برئاسة قاضٍ رفيع القدر يمكن أن نضمن توفير رقابة قضائية حقيقية على الانتخابات، الأمر الذى من شأنه أن يهدئ كثيراً من المخاوف التى تنتاب البعض، نتيجة إلغاء إشراف القضاة عليها، ويمكن ثانياً البدء بتنفيذ الحكم الذى حصل عليه المركز العربى لاستقلال القضاء والمحاماة فى نهاية الانتخابات التشريعية الماضية، الذى يلزم وزارة الداخلية بالسماح للجمهور بمراقبة عملية فرز الصناديق عن طريق الدوائر التليفزيونية المغلقة حتى يشاهد الجمهور خارج مقر الانتخاب عملية فرز الصناديق بداخله ويمكن ثالثاً أن يتم فرز كل صندوق انتخابى فى مكانه دون نقله إلى مديرية الأمن على أن يُعلن رئيس المجمع الانتخابى نتيجة كل صندوق عقب انتهاء فرزه ودون انتظار نتائج الصناديق الأخرى، ويمكن أخيرا أن ندعم اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات بعناصر كثيرة ترشحها الأحزاب السياسية، بالإضافة إلى عدد من الخبراء المستقلين المرموقين لمساعدتها على أداء عملها، ومراقبة هذا العمل فى الوقت نفسه، فلاشك أن تشكيل تلك اللجنة معيب ولا يبعث على الثقة. أتصور أن عمر البشير سوف يكتشف أن وضع الولاياتالمتحدة فى جيبه ليس دائماً سبباً للشعور بالأمان، وأن عليه أن يبحث عن طريقة ليضع شعبه فوق رأسه وليس فى جيبه فقط.