مجلس العموم البريطانى.. البرلمان الذى خاض حروبا مريرة بقيادة أوليفر كرومويل Oliver Cromwell ضد الملك شارل الأول حتى تم إعدامه بعد الحرب الأهلية 1644م. تمر الأيام.. وتأتى الحرب العالمية الثانية بقيادة ونستون تشرشل، ويوجه مستر كنج، رئيس تحرير التايمز اللندنية، هجوماً ضارياً كل يوم على مستر تشرشل، وسياسته الخاطئة فى الحرب.. فيطلب مستر تشرشل من البرلمان أن يوجه اللوم إلى مستر كنج، لأنه يضعف الروح المعنوية للشعب البريطانى أثناء الحرب العالمية، فيرفض البرلمان مجرد توجيه اللوم لمستر كنج، قائلاً: نحن نخوض حرباً عالمية من أجل الحرية.. والويل لنا إذا كبلنا أو حاربنا الديمقراطية.. من أجل كسب هذه الحرب! وانتصرت إنجلترا وسقط تشرشل! هذا البرلمان (مجلس العموم) طالما حضرت فيه جلسات، أذكر منها تلك الجلسة التى كان يطالب فيها إنوك باول بعودة الأجانب لبلادهم، وضرب مثلاً بالهنود والباكستانيين وكيف سيصبحون ثلث سكان برمنجهام على سنة ألفين، فما كان من أحد النواب إلا أن قام معترضاً، ويقول موجها كلامه لمستر باول: لا تنس أن تضم إلى قائمتك اليهود! فلديهم دولة اسمها إسرائيل!! كما أذكر الجلسة التى عرفت فيها معنى الجملة المشهورة عندنا: مش على راسه ريشة! تقدم أحد النواب فى مجلس العموم بطلب رفع العقوبة عن الأمير فيليب، زوج الملكة إليزابيث الحالية، لأنه تجاوز السرعة بسيارته، فسحبت الرخصة، وحرم من القيادة لمدة ستة أشهر! وبعد مداولات، أعلن رئيس المجلس أن تنفذ العقوبة عليه كأى فرد من أفراد الشعب، وليس كأمير من الأسرة المالكة.. على راسه ريشة! (Not because a feather on his head). عرفت بعد ذلك أن الريشة توضع على التيجان وغطاء رأس القضاة والأمراء! وأن هذه الريشة هى ريشة «ماعت».. و«ماعت» هى ربة العدالة المصرية، وهذه الريشة هى التى كانت توضع على كفة الميزان.. والكفة الأخرى عليها قلب الأوزير أو المرحوم أو المرحومة، فى محكمة العدل الإلهية فى مصر القديمة، حتى يعرف أوزيريس من خفت موازينه، ومن ثقلت موازينه، فيدخل إلى يارو أى الجنة، أو يلقى إلى النار أو عم موت!! الذى يلتهم الميت. أما الجلسة التى كانت فيها باربارا كاسل BARBARA CASTLE، وهى عضوة فى المعارضة (حزب العمال) ضد رئيس الوزراء إدوارد هيث (حزب المحافظين).. فقد كانت جلسة.. أذكرها.. ولا أنساها! «امرأة بفدان رجالة» كما نقول فى مصر! أراد رئيس الوزراء أن يسن قانوناً لمنع العمال من حق الإضراب عن العمل، والمظاهرات فى الشارع، فتصدت له باربارا كاصل (كما يجب أن تنطق) كالضبع الهائج أو كالبحر الذى يهدر فى تسلسل.. وببلاغة وقوة تقول مونستر Monster (حيوان مخيف.. غريب الشكل)، تايرانت Tyrant (مستبد وطاغية)، (صاحب رجل سوداء) Black leg، ومعناها «خائن».. وهذا الوصف مأخوذ عن عمال الفحم حين يضربون عن العمل، إلا القليل منهم، فيخرجون من منجم الفحم بأرجل سوداء! استمرت باربارا كمدفع سريع الطلقات: سوف نحاربك حتى الناب والأظافر، حتى نحطم مشروع قانونك هذا، وإذا كانت الإضرابات والمظاهرات قد عمت الأطباء، الممرضات، وعمال الموانئ، وعمال السكك الحديدية، فهذا معناه سياسة حكومتك الفاشلة.. إن حق التظاهر والإضراب هو الاحتجاج السلمى لاستبداد وطغيان حكومتك الفاشلة! وقام هيث يرد متغاضياً عن إهانة باربارا.. قائلاً: بغض النظر عن إهانات العضوة الموقرة.. فقاطعه رئيس المجلس.. أنت هنا رئيس الحكومة، ووظيفة البرلمان هى إحراجك وإهانتك! فضج المجلس بالضحك، وتم التصويت برفض مشروع هذا القانون، وثانى يوم.. المانشيتات العريضة فى الصفحات الأولى من الصحف: هجوم شرس من باربارا على رئيس الوزراء! باربارا تسيل الدماء فى مجلس العموم! باربارا سوف تحارب حتى الناب والمخلب! هزيمة ساحقة لإدوارد هيث! كنت أخرج من مجلس العموم، وترن فى أذنى أغنية عبدالوهاب: يا نسمة الحرية.. يا نسمة رايحة وجاية! فأسأل نفسى: هل نسمة الحرية رايحة وجاية، لأنها حرة تتحرك كما تشاء؟ أم لأنها محبوسة.. رايحة وجاية تبحث عن باب تخرج منه.. كالنمر فى قفص فى حديقة الحيوان؟! [email protected]