ماتت كرة القدم فى هذا النادى حين بقى غزل المحلة.. واختفت المحلة حين بقيت الشركة واختفت المدينة.. حين بقيت الوظيفة.. ومات الحب.. حين بقى رئيس النادى أيا كان اسمه وبقى رئيس مجلس الإدارة أيا كانت ملامحه ومات محمد حبيب.. فمحمد حبيب لم يكن مجرد الموظف الكبير العاشق لكرة القدم.. ولا كان رئيس ناد تابعاً لشركة نسيج يمارس كرة القدم.. وإنما جاء محمد حبيب فى السبعينيات ليصيغ تجربة حالمة واستثنائية فى تاريخ هذه المدينة وتاريخ كرة القدم المصرية بأسرها.. فهذا الرجل العبقرى.. السابق لعصره وأوانه.. أدرك مبكرا أنه مهما بذل من الجهد وأنفق من المال فلن يمكنه أبدا منافسة الأهلى والزمالك.. الإسماعيلى والاتحاد والمصرى.. إن بقى يدير ناديا لشركة مهما كانت كبيرة أو رابحة.. وبدلا من ذلك أحال حبيب هذا الفريق المغمور إلى رمز لمدينة المحلة بأسرها.. بكل أهلها وبيوتها وقلوبها.. ومن هؤلاء الأهل جاء اللاعبون وجاء الجمهور.. وبهؤلاء الناس واللاعبين بدأت المحلة تلعب الكرة وتنتصر أيضا.. بل وكان حبيب من الذكاء بحيث لم يكتف بذلك.. وإنما قرر أن يصبح المحلة هو ممثل كل الفلاحين فى الدلتا.. باختصار.. أحال محمد حبيب نادى شركة إلى ناد شعبى له قضية وضرورة وتقف وراءه وتسانده وتفرح به ومعه نصف مصر.. فكان من الطبيعى أن يأتى سريعا جدا ذلك اليوم الذى يفوز فيه هذا الفريق ببطولة الدورى العام عام 1973 ويخسر فى العام التالى نهائى البطولة الأفريقية، ويصبح أحد الفرق الكبيرة على خريطة الكرة المصرية ويصبح أكاديمية يتخرج فيها كثيرون من أشهر وأهم مواهب الكرة المصرية.. إنها نفس تجربة الترسانة حين أنشأه المستر سلاوتر وتأكد أنه لا مستقبل للترسانة إن لم يكن له جمهور وقضية ومبرر لوجوده واستمراره.. فقرر سلاوتر ألا يلعب الترسانة إلا بالنيابة عن كل عامل فى مصر.. وبهؤلاء العمال تألق الترسانة وصنع شعبيته وانتصاراته وأمجاد الزمن القديم.. ولكن مات سلاوتر.. ومن بعده مات محمد حبيب.. فماتت الفكرة الجميلة والنبيلة أيضا.. ويوما بعد يوم.. بدأ نادى المحلة يتنازل تدريجيا عن حقيقة أنه ممثل الفلاحين المصريين.. وأنه يلعب باسم المحلة الكبرى كواحدة من أكثر المدن التى عاشت الظلم والقهر السياسى والاجتماعى فى تاريخ مصر الحديث.. وسرعان ما أصبح مجرد ناد لشركة.. وسرعان ما كانت هذه الشركة نفسها تتعثر وتخسر وتكاد تفقد كل شىء.. فكان هذا النادى الجميل هو أول الضحايا.. لأن المعجزات التى يصنعها الحب.. أبدا لا يصنعها الموظفون أو حتى الرؤساء. [email protected]