عندما وافق مجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية على اقتراح روسيا بإنشاء بنك «دوفلى» متعدد الأطراف للوقود النووى فى شهر نوفمبر من العام الماضى، لم يصدر القرار بالإجماع ولكن بأغلبية 23 صوتا واعتراض 8 دول، على رأسها مصر وماليزيا وفنزويلا، فى حين امتنعت 3 وتغيبت دولة. والملاحظ أن الدول التى عارضت الاقتراح كانت هى النامية، خشية من أن يكون البنك خطوة غربية نحو حرمان الدول الأعضاء فى الوكالة من حق تخصيب اليورانيوم للاستخدام فى الأغراض السلمية وفقا لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، فى حين أن الهدف المعلن من إنشاء البنك فى منطقة أنجارسك فى سيبريا هو الحد من انتشار الأسلحة النووية على المستوى العالمى. وبناء على قرار مجلس المحافظين، تم توقيع اتفاقية إنشاء البنك قبل نحو أسبوعين، والتى بمقتضاها تلتزم روسيا بتوفير 120 طناً من الوقود النووى المنخفض التخصيب تحت إشراف الوكالة. وتستطيع الوكالة بقرار منها بيع تلك الكمية للدول التى تحتاجه للاستخدام السلمى متى كان ملفها نظيفا فى مجال منع الانتشار وكذلك الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. وأكد مسؤول نووى وأحد الموقعين على الاتفاقية أن إمداد الدول بالوقود النووى من البنك بحسب الاتفاقية يكون بأسعار مرتبطة بمقتضيات السوق العالمية ولا يخضع لمعايير سياسية، وهو بذلك يبعد شبح تدخل الدول الكبرى فى عمل الوكالة، مثلما كان الأمر فى عهد المدير العام السابق للوكالة الدكتور محمد البرادعى، وفقا لاعتقاد الكثير من المراقبين. ورأى مهند الشوشارى، المحلل فى مجال الطاقة النووية، أن تنفيذ الاتفاقية رغم مخاوف الدول النامية يمكن أن يلبى الاحتياجات المتزايدة للدول الأعضاء من الطاقة النووية للاستخدام فى الأغراض السلمية. لكن مسؤولاً فى الوكالة رفض ذكر اسمه اعتبر أن الاتفاقية أعطت الضوء الأخضر لمزيد من الرقابة، معتبرا أنها تستهدف إيران فى الأساس كحل بديل لأزمة ملفها النووى، بدلا من اقتراح الوكالة بإرسال إيران معظم كميات اليورانيوم لتخصيبها فى روسياوفرنسا، ومن ثم إعادتها لإيران مرة أخرى. وبحسب هذا المسؤول، فإن «بنك الوقود» سيكون الحل الأفضل لإيران لاسيما أنها لم تخف قلقها من ألا يوفر اقتراح الوكالة ضمانات لاستمرار إمدادها باليورانيوم المخصب وخاصة أن تجربتها مع فرنسا فى الماضى كانت سلبية، وبالتالى تتركز المخاوف الإيرانية فى أن يكون اقتراح الوكالة ينتهى إلى تعطيل عمل مفاعلات الطاقة النووية فى إيران. على هذا الأساس، يفسر الشوشارى التصريحات الروسية الأخيرة التى تتجه نحو ضرورة فرض عقوبات على إيران كإحدى وسائل الضغط كى تقبل بالتعامل مع بنك الوقود النووى كى تحقق لموسكو مصالح اقتصادية، فضلا عن تعاون الدولتين معا فى مفاعل بوشهر النووى فى إيران، خاصة أن روسيا لها خبرة كبيرة فى مجال إنتاج وتخصيب اليورانيوم.