عشت فى إنجلترا عدة سنوات بعد زواجى.. كان أولادى فى مرحلة الطفولة الأولى.. وقتها كنت أرسم لمصر صورة ذهنية ترسبت داخلى، بسبب المجتمع المغلق الذى كنت أعيش فيه.. فأهلى من النوع المحافظ، الذى حاول على قدر جهده حمايتنا.. فأغلق الكثير من الأبواب. وتزوجت مبكراً والطيور على أشكالها تقع.. فاقتنعت بما ترسب داخل ذهنى وعقلى بأن الدنيا بخير والعيب يقع من أهل العيب.. أما الناس المتربية صاحبة الأخلاق العالية فيبتعدون عن العيب. كنت فى مدرسة مختلطة، وكانت صدمة حضارية بالنسبة لى بعد أن قضيت طفولتى فى مدرسة الراهبات.. المهم كنا نتفق على أن الولد الذى يدخن يعتبر «صايع» ويجب الابتعاد عنه.. وبالنسبة للبنات فالحب مسموح بل نساعد المحبين مادمنا نحيط بهم ومادام الحب صادقاً.. وهذا ما كنا نقتنع به.. أما الصحوبية فتعنى بنت وولد يتصاحبان لمجرد قضاء وقت معا «فكنا نعتبرها قلة أدب» ونؤثر الابتعاد عن مثل هذه النوعية من الصداقات. المهم سافرت إلى إنجلترا، وهناك أحسست بأن المجتمع متجانس جدا.. يمنع بيع السجائر والمشروبات الكحولية لمن هم أقل من ستة عشر عاما.. يحارب علاقات المراهقين غير الشرعية، خاصة التى ينتج عنها أطفال دون أن يضع عقوبات.. وهذا ليس موضوعنا.. فأود التوقف أمام الجزء الأول والخاص بالتدخين أو بتعاطى المخدرات.. وهو أمر مدان ويصل إلى درجة الفضيحة.. بمعنى أنه لو كان أحد الساسة قد جرب مرة الماريجوانا وهى أوراق القنب الجافة التى يصنع منها الحشيش فلابد أن يعترف وإلا فإنه يعتبر مدلسا وكاذبا. يعنى المجتمعات التى تتمتع بقدر كبير من الحرية للفرد، هى نفسها التى تحاسبه لو أخطأ أو أصبح مسؤولاً، المهم والغريب والعجيب أن الصورة الذهنية التى رسمتها «ثرثرة فوق النيل» وغيرها من الروايات والأفلام مقتصرة على فئة دون أخرى، هى التى دفعتنا للعودة إلى مصر قبل أن يكبر الأولاد ويدخلوا سن المراهقة وينادوا بحريتهم، لأكتشف عالما جديدا فى مصر لم أعرفه، مثلاً ابنى كان فى الحادية عشر من عمره عندما سألنى بعد عودتنا بفترة: ألم تقولى يا أمى إن الخمرة حرام؟ قلت نعم، طبعا، قال لى ولكن أصدقائى يشربونها وهناك محل فى الشارع الذى تقطن به جدتى يبيعها، لم أصدق ونزلت أمشى فى الشارع لأكتشف أن المحل موجود، ويبيع لمن يشاء دون تقيد بسن، دخلت النادى لأكتشف أن الأطفال يدخنون من سن العاشرة، وجلست فى الكافيهات لأجد فتيات يدخن شيشة، وقرأت «ربع جرام» لأكتشف أن الموضوع قديم من أيام طفولتى، وأننى أنا التى لم أكن أعيش فى هذه الدنيا، ولو أن الأمر استفحل بشكل كبير، المشكلة اليوم تكمن فى الشرعية التى بدأ يستمدها الحشيش، هناك إدانة للمخدرات بشكل عام، ولكن للحشيش وضعاً مختلفاً. طبيب خرج علينا فى صحيفة ليقول إن الحشيش غير مضر، وهناك ترويج لفكرة أن الحشيش مرتبط بالإبداع، فالفنان يبدع أكثر بعد سيجارة حشيش، وخفة الدم مرتبطة بالحشيش، يعنى يقال عن نكتة لطيفة دمها خفيف «دى تحشيشة»، مع أن تقرير المجلس الوطنى لمكافحة الحشيش والصادر مؤخرا عن لجنة الصحة بمجلس الشعب قد أفاد بأن 9 فى المائة من الشعب المصرى يتعاطون الحشيش، أى حوالى 7 ملايين مواطن، رقم ضخم، ولو بحسبة بسيطة قلنا إن كل واحداً من السبعة ملايين سوف يعلم واحدا فقط تعاطى الحشيش، فإننا فى وقت قياسى سوف نجد أن عدد المتعاطين قد أصبح 14 مليوناً أى الضعف، والكارثة أن التقرير يقول إن 12 فى المائة من المتعاطين من طلاب المدارس والجامعات، يعنى شباب المستقبل عامل دماغ ومسلطن وينظر للعالم من خلال غلالة دخان، أما الباقون فهم من فئات مختلفة. فى إحدى زياراتى للدويقة وجدت طفلة جميلة تسير ورائى فى كل مكان، ذهبت للقاء والدها، وحاورته عن السبب فى عدم إرسالها للمدارس وحرمانها من التعليم فأجابنى: أنا لاقى آكل، قالها وهو بينفخ دخان سيجارته، لم أدخل فى نقاش حول أن التعليم أولى من السجائر، خاصة بعد أن أخبرنى زميلى بأنه من مدمنى الحشيش. أى مستقبل ينتظر شعباً يفضل الأهل فيه مزاجهم على مستقبل أولادهم؟ أى مستقبل ينتظر شعبا يقضى صيفه ساهرا يدخن الشيشة والحشيش فى المصايف، وينام نهاره، وأنا التى عدت خوفا على أولادى!! [email protected]