تدل التصرفات الرسمية فى الآونة الأخيرة على أنه لم يعد لدى الدولة ما تقدمه لمواطنيها غير الضرب بالهراوات الكهربائية والسحل فى الشوارع والقبض على الناشطين وإهانتهم وتعذيبهم واحتجازهم فى مقار مباحث أمن الدولة. فمنذ حوالى أسبوع شهدت كلية الهندسة الإلكترونية فى منوف استخداما مفرطا وغير مبرر للقوة، لمجرد أن طلابا ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين قرروا تنظيم «مهرجان الفن الإسلامى الرابع عشر» لمناصرة المسجد الأقصى، حيث تولى مخبرون بملابس مدنية ضربهم وإهانتهم، ولم تسلم الطالبات من الأذى، وتم اعتقال 11 طالبا. ومنذ يومين دفعت أجهزة الأمن بأعداد ضخمة من عناصرها لتطويق ومحاصرة مسيرة دعا إليها شباب حركة 6 أبريل، بمناسبة الذكرى الثالثة لتأسيس حركتهم، ومنعها من التوجه إلى مجلس الشعب لتقديم عريضة مطالب بتعديل الدستور. وتشير التقارير، التى تناولت هذا الموضوع، إلى أن الأجهزة الأمنية لم تكتف باعتراض المسيرة ومنعها من الوصول إلى وجهتها وإنما قامت بالتحرش بالشباب وبالاعتداء عليهم بالضرب، خاصة من جانب عناصر شرطة ترتدى زياً مدنياً، بل وقامت عناصر من الشرطة النسائية بضرب وسحل فتيات شاركن فى هذه المسيرة والتى انتهت بالقبض على 93 ناشطا. لا مجال هنا للاستطراد فى سرد مظاهر التصعيد فى أسلوب القمع، الذى يصر النظام على ممارسته فى مواجهة معارضيه، وهم أبناء مصر كلها، باستثناء مجموعة المنتفعين فى الحزب الحاكم، أو للحديث عن عشرات الرسائل التى تصلنى يوميا من مواطنين عاديين بدأوا يحسون بالخوف من الملاحقة الأمنية لمجرد قيامهم بالتوقيع على عريضة الجمعية الوطنية للتغيير، وهى رسائل تكاد تكون مطابقة فى مضمونها لرسالة وصلت إلى الأستاذ فهمى هويدى ودفعته لكتابة مقال بعنوان «فى جمهورية الخوف» (الشرق القطرية: 7 أبريل). وإذا كان عنف النظام، الذى لم يتوقف يوما، لم يعد فى حاجة إلى بينة، يصبح السؤال: لماذا هذا التصعيد؟. مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية، الذى يحين فى نوفمبر من هذا العام، وموعد الانتخابات الرئاسية، الذى يحين فى نوفمبر من العام الذى يليه، باتت أركان النظام مقتنعة بأنها ما لم تتمكن من تمرير مشروعها لتوريث السلطة الآن فسوف يسقط إلى الأبد. ولأنها وضعت فيه كل آمالها واستثمرت فيه كل طاقاتها لسنوات، يبدو واضحا أنها لم تعد مستعدة للتراجع، خصوصا بعد مرض الرئيس الأب، شفاه الله، حتى لو تم ذلك فوق جثة الوطن كله. وحتى وقت قريب ساد الاعتقاد بأن المشروع ماض فى طريقه وسيمر دون خسائر كبيرة بعد أن تم تجفيف كل منابع المنافسة المحتملة فى الداخل!. غير أن ظهور البرادعى فاجأهم من حيث لا يحتسبون. وفى غياب خطط بديلة مرنة ونفاد الصبر أصبح الخوف من الشعب هو سيد الموقف والتصعيد هو البديل الوحيد المتاح.. فإلى أين يقود هذا الخوف المتبادل؟