مقولة «لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة» لا تستعمل هذه الأيام إلا إذا كانت السياسة التى يتدخل فيها رجل الدين هى السياسة المعارضة لسياسة الحزب الوطنى، هنا يسارع رجال الحزب إلى ترديد هذه المقولة، أما إذا كانت السياسة التى يتدخل فيها رجل الدين هى تأييد الحزب الوطنى وسياسته، فإنه مباح أن يتدخل الدين فى السياسة وأن تتدخل السياسة فى الدين، لأن هذا ما يتفق مع سياسة الحكومة وهذا ما يريده الحزب الوطنى. لفت نظرى عنوان منشور فى صحيفة «المصرى اليوم» فى الصفحة الأولى يوم الثلاثاء الماضى 30 مارس 2010 يقول: «البطريركية الأرثوذكسية: دعونا البرادعى لقداس القيامة.. ولا علاقة لنا بأجندته السياسية»، وتقول تفاصيل الخبر: أعلنت الكنيسة القبطية أنها أرسلت دعوة إلى الدكتور محمد البرادعى، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لحضور قداس عيد القيامة السبت المقبل، مؤكدة أنه لا علاقة للكنيسة بمشاريعه السياسية المقبلة، وأن حضوره سيكون باعتباره رمزا مصريا فى مجال علمى، حصل على جائزة نوبل لتهنئة الكنيسة بعيد القيامة. وقال القمص سرجيوس، وكيل البطريركية، إن الكنيسة لا دخل لها بالسياسة، وأن عيد القيامة مناسبة دينية، يجب ألا يقحمها البعض أو يستغلها فى تطلعاته أو أحلامه المستقبلية. وقال مصدر مقرب من البابا شنودة، بطريرك الأقباط الأرثوذكس، إن الكنيسة ملتزمة بالحزب الوطنى، ولن تساند مرشحين لا تعرف أجندتهم السياسية التى قد تكون موالية لتيارات دينية أو لها علاقات خارجية غير واضحة. هذا هو تعليق رجال الكنيسة على زيارة الدكتور محمد البرادعى، التى أزمع القيام بها إلى الكنيسة للتهنئة بعيد القيامة المجيد تلبية لدعوة موجهة إليه منها، وهى تصريحات لنا عليها عدة تحفظات، أولها أنها متناقضة، ففى حين جاء على لسان القمص سرجيوس، وكيل البطريركية، أن الكنيسة لا دخل لها بالسياسة يقول مصدر مقرب من البابا شنودة إن الكنيسة ملتزمة بالحزب الوطنى، وكأن التزام الكنيسة بالحزب الوطنى لا صلة له بالسياسة ولا يعتبر تدخلا فيها، مع أن هذا عين العمل بالسياسة، أن تعلن الكنيسة تأييدها للحزب الوطنى وإذا لم يكن هذا تدخلا فى السياسة فماذا يكون إذن؟ وهل يا ترى لو أن الكنيسة أعلنت تأييدها لأحد أحزاب المعارضة كان سيعتبر ذلك منها تدخلا فى السياسة أم لا؟ ويجب ألا ننسى أن قداسة البابا شنودة أعلن فى مناسبات عدة تأييده لترشيح مبارك الابن أو مبارك الأب للرئاسة، وهذا ما أخذه البعض عليه وطلب منه عدم التدخل فى هذه الأمور والابتعاد عنها، وطلب من الأقباط السير خلف البابا فى الأمور الدينية وعدم السير خلفه فى الأمور السياسية، وثانى هذه التحفظات أن القمص سرجيوس والمصدر المقرب إلى البابا لم يكتفيا بإعلان تأييد الحزب الوطنى، بل أخذا خطا معاديا للدكتور البرادعى من قبل أن يتقابلا مع الرجل ويسمعا منه وجهة نظره وأجندته السياسية، فاتهمه الأول بأنه يستغل مناسبة دينية فى تطلعاته وأحلامه المستقبلية، واتهمه المصدر المقرب من البابا شنودة بأن سياسته إما موالية لتيارات دينية - وهو هنا بالطبع يقصد الإخوان المسلمين - وإما أن له علاقة خارجية غير واضحة، وهذا من أشد الاتهامات التى يمكن أن تنسب إلى الرجل وهو ذات ما يطلقه عليه الحزب الوطنى ورجاله من أول يوم أعلن فيه عن إمكان ترشحه للرئاسة فى حالة زوال العقبات التى تعوق ذلك.. وبذلك تكون الكنيسة قد اتخذت ذات نهج أنصار الحزب الوطنى فى الهجوم على الرجل، وهو ما لم نتعوده من رجال الكنيسة فى أى وقت. التحفظ الثالث الصادم: كيف يظهر رجال الكنيسة بهذا الشكل الذى لا يكتفى بتأييد الحزب الوطنى فقط بل مهاجمة معارضيه، رجال الكنيسة رجال دين الدين عملهم والأخلاق المستمدة من الدين طبعهم فكيف يؤيدون الحزب الوطنى وهم يعلمون ما يعلمه كل المصريين أنه لم يصل إلى الحكم إلا بالتزوير الذى يتنافى مع كل المبادئ الأخلاقية المستمدة من الدين أى دين؟ كيف يدافع رجال الدين عمن يخادع الناس ويضحك عليهم ويبيعهم للعدو؟ لم نطلب من الكنيسة أن تؤيد الدكتور محمد البرادعى والرجل بالتأكيد لم يطلب منها ذلك لأنه ببساطة لم يطلبه من أحد، بل إنه فى أحاديثه مع المقربين منه دائما يحرص على عدم التعرض للترشح للرئاسة والبعد عن شخصنة الأمور، وأن يكون كل همنا فى المرحلة المقبلة العمل على تغيير الأوضاع والدستور حتى نتمكن من أن نهيئ الجو للإصلاح السياسى الذى ننشده، وبعد ذلك ليرشح نفسه للرئاسة من يريد أن يترشح، سواء هو أو غيره ولا بأس من أن يكون لدينا أكثر من مرشح حتى يتمكن الشعب ممن ممارسة حقه فى الاختيار. مهاجمة الدكتور البرادعى ووصف أجندته السياسية بأنها قد تكون موالية لتيارات دينية أو لها علاقات خارجية غير واضحة قبل الجلوس معه والاستماع إليه ومعرفة هذه الأجندة ومناقشته فيها أمر يتسم بالتسرع وعدم الحيدة، ما كان ينبغى أن يصدر من رجال دين أهم صفاتهم الاتزان والعقل والإنصاف. لا نطلب من رجال الدين المسيحى أو الإسلامى تأييد البرادعى أو الدعاء له، كل ما نطلبه منهم التدقيق والعدل والتروى فيما يقولون ووزن كلامهم بمنطق المصلحة العامة التى تملى عليهم قول الخير أو الصمت. الدكتور البرادعى كل ما طرحه هو السعى مع الساعين للإصلاح والتغيير من أجل مصر ومستقبل الأجيال القادمة، فما هو الضرر فى ذلك؟ إنه إن كان هناك ضرر فيما يقول فلن يصيب إلا أنصار الحزب الوطنى القابضين على زمام السلطة الرافضين للتخلى عنها تحت أى ظروف حتى ولو كان فى ذلك ضياع الوطن، أما باقى الثمانين مليونا من الشعب فهم الساعون إلى التغيير والإصلاح حتى وإن كان الظاهر منهم قلة، لأن الأكثرية الصامتة ترغب فى الإصلاح ولا يقعدها عن المناداة به إلا مظاهر القهر وعدم معرفة الطريق إليه. أيها الآباء الروحانيون: إذا كانت مشاعركم مع الحزب الوطنى فاحتفظوا بذلك لأنفسكم وأنتم أحرار فيما تريدون ولا تعلنوا ذلك حتى لا يعتقد العوام من الناس أن هذا أمر منكم يجب طاعته، وإلا تكونوا قد غررتم بهم وأوردتموهم مورد التهلكة وهذا ما سيحاسبكم عليه الله يوم القيامة. أما شيخ الأزهر الجديد، وهو على رأس رجال الدين الإسلامى، فلم يجد فى عضويته بالحزب الوطنى أى تعارض مع إمامته للمسلمين، وهو لا يرغب أن يتخلى عن هذه العضوية حتى يستأذن الرئيس حسنى مبارك رئيس الحزب، الأمر الذى أصابنا بالحزن والخوف على المشيخة من أن تصير منبرا للحزب الوطنى، وسألنا أنفسنا: ماذا لو أن سياسة الحزب الذى ينتمى إليه تعارضت مع الدين فأيهما يؤيد؟ وهل يا ترى شيخ الأزهر يعلم مثل غيره بالتزوير والفساد المستشرى فى الحزب؟ وماذا سيكون موقفه منه؟ فى إحدى المرات دار حديث بينى وبين مستشار على التقاعد انضم للحزب وصار من قياداته، وسألته بعد أن انضم إلى الحزب: ماذا ستفعل فيه؟ هل دخلت فيه للدفاع عن المنحرفين؟ والغريب المدهش أن هذا المستشار انتهت حياته فى السجن. يا شيخنا الجليل: مشيخة الأزهر للمسلمين جميعا فى مشارق الأرض ومغاربها ليس فى مصر وحدها، وإذا كنت تريد أن تكون لنا جميعا فابتعد عن الأحزاب جميعا وطبق المبدأ القائل «لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة» مع أن السياسة لو خلت من الدين تصير كارثة على الشعوب، لأن الدين معناه الصدق والاستقامة والرحمة والعمل الجاد من أجل الوطن، فإذا خلت من الدين خلت من كل ذلك، وهنا تكون الكارثة ومع ذلك نطالبك بالابتعاد عن السياسة لأنك اخترت لها الطريق الذى يسىء إليك وإلى المشيخة التى تحظى باحترام العالم ولا نريد لها أن تنتهى إلى أن ترتمى فى أحضان السلطة وتأييد محاصرة إخواننا فى غزة من أجل إرضاء أمريكا وإسرائيل، وتأييد بناء الجدار العازل بيننا وبينهم لإحكام هذا الحصار، والموافقة على تصدير الغاز إلى إسرائيل لتقوى به وتشتد علينا وعلى إخواننا فى فلسطين. [email protected]