بمجرد تخرجه فى كلية التجارة توجه إلى أكثر من شركة لتقديم سيرته الذاتية بحثاً عن فرصة عمل، وبعد فترة لم تقل عن عام كامل اتصل به أحد الأشخاص لإجراء مقابلة شخصية للالتحاق بالعمل فى إحدى المصالح الحكومية، والتحق ياسر محمد بالوظيفة، وعلى هذا الأساس تزوج وأنجب ولداً وبنتاً، لم ينظر إلى حاله كأحد العمال المؤقتين بالمكان، ولكنه كان يحمد الله كلما تمت تصفية العمال دون خروجه من عمله، إلى أن جاء «عليه الدور» على حد قوله وتم الاستغناء عنه بعد عمل دام أكثر من 7 سنوات، ومن وقتها بدأ يسأل عن حقوق العامل المؤقت فلم يجد شيئاً يذكر. لم تكن حالة ياسر فردية، فهى حال الآلاف من العمالة المؤقتة، التى قال عنها الخبراء «محرومة من كل شىء، ومطالبة بعمل كل شىء» فلم تتوقف مشكلتهم على الأجور المتدنية فحسب، بل إنهم محرومون من كل الحقوق التى تضمن للعامل بأى قطاع حياة كريمة له حال المرض أو الوفاة على سبيل المثال. وأرجع الخبراء زيادة المشكلة فى الفترة الأخيرة إلى قانون العمل رقم 12 لعام 2003، وهو ما أدى إلى إلغاء فكرة تجديد العقود واعتبار العامل بمثابة عامل دائم وليس مؤقتاً. وصف كمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية، الوضع الحالى للعمالة المصرية بالعشوائية وعدم الاستقرار، وهو ما أدى إلى ارتفاع عدد العمالة المؤقتة بنسبة قد تفوق العمالة الدائمة سواء فى القطاعات الخاصة أو الحكومية، خاصة مع وجود ظاهرة المعاش المبكر التى تتم تصفية العمالة من خلالها وجعلت العاملين يلتفتون إلى الحقوق التى حرموا منها وعلى رأسها أن غالبيتهم يدخلون فى صلب العملية الإنتاجية، مثل شركات الأسمنت والحديد والصلب، ومع ذلك حال وجود أى إصابة عمل لن يكون العامل قادراً على المطالبة بتأمينه أو علاجه، لأنه غير مؤمن عليه من الأساس، حتى لو عمل فى المكان لسنوات طويلة، بخلاف ذلك هناك العمالة المؤقتة، المرتبطة بمشروعات مؤقتة، وبمجرد انتهاء المشروع ينتهى دوره شأنه شأن العامل باليومية. من المعروف أن مشكلات العمالة المؤقتة تظهر بشكل واضح فى القطاع الخاص تحديداً، وهو ما قال عنه عباس: «المشكلة وصلت إلى ذروتها فى القطاع الخاص، حدث ولا حرج عن العمالة التى تعمل بعقود سنوية أو بدون عقود من الأساس، وهنا يكون من الصعب على العامل إثبات وجوده فى شركة أو مصنع معين، وهنا يفقد أقل الحقوق التى تجعله محسوباً على الدولة من غير العاطلين، ولكنه فى الحقيقة سيتحول إلى أحد أفراد البطالة فى أى وقت، كما أن العامل المؤقت محروم من الحصول على فرصة التدريب وتنمية مهاراته العملية، وبالطبع ذلك يهدد سوق العمل لعدم ترقية الأداء المهنى، وأخيراً فهو يقع فى مشاكل اجتماعية بعد فقده عمله». أرجع الدكتور مصطفى بسيونى، الباحث فى مركز الدراسات الاشتراكية، مشكلة العمالة المؤقتة إلى قانون العمل الجديد، رقم 12 لعام 2003، مشيراً إلى ضياع حقوق العمالة التى كانت من قبل تنتظر لحظة تجديد العقد، لأنه بعدها يعتبر عمالة دائمة، لافتاً إلى أن هناك جهات حكومية وخاصة استخدمت شروط القانون لصالحها فجعلت سوق العمل موسمية، فلا يمكنه التفكير أبداً فى الحصول على معاش أو تأمين أو إجازات حتى لو كانت مرضية. وقال: «أكبر مثال على ذلك مركز المعلومات وأغلب العاملين به موسميون، يحصلون على مكافآت تتراوح بين 90 و120 جنيهاً، يجمعون بيانات السكان والتعداد وغيرهما، ويستمرون فى عملهم عشرات السنين، دون أن يكون لهم معاش أو تأمين، ولكنها فى النهاية جزء من السياسة المتبعة فى الفترة الأخيرة. فمنذ بداية الألفية الثالثة اتبعت الدولة مبدأ رفع عبء العمال عن صاحب العمل، فهو غير ملتزم بعمالته صحياً واجتماعياً، حتى لو كانوا أساس العملية الإنتاجية، وبالرغم من عدم وجود إحصائيات واضحة للعمالة المؤقتة فى مصر، فإن مركز دعم واتخاذ القرار أقر فى تقريره الأخير بانخفاض نسبة العمالة المؤمن عليها أو المسجلة فى التنظيم النقابى». اختلف الرأى لدى مجدى صبحى، الخبير الاقتصادى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الذى وجد فى العمالة المؤقتة إنقاذاً للشباب من الدخول فى دائرة البطالة، حتى وإن كان «إنقاذاً مؤقتاً»، مستشهداً بالمجالين العقارى والسياحى المعروفين بغلبة العمالة المؤقتة فيهما عن الدائمة، ولكن هذا لا يغنى عن ضرورة تقنين الفكرة المؤقتة، من خلال وضع خطط أفضل للتعامل مع البطالة على المدى المتوسط والبعيد، لأننا لا ننسى حرمان العامل المؤقت من شروط العمل، سواء ساعات العمل التى تزيد على المسموح به قانوناً، والإجازات والتفاوض مع العامل على أجره بشكل فردى، ففى النهاية صاحب العمل غير ملتزم أمام القانون بتقديم حد أدنى معين لأجر عمالته المؤقتة، والتى لن تستطيع شكواه لعدم وجود أصوات نقابية، فهم غير محسوبين على الدولة لتدافع عنهم نقابة.