تفتش جماعة الإخوان المسلمين اليوم عن الأحزاب، وفى الوقت نفسه تغازل البرادعى، ومن حين لآخر تبدى تجاوباً مع إشارات من النظام بحثاً عن صفقة جديدة تضمن بها وجوداً فى البرلمان. تستطيع لوهلة أن تقدر انفتاح الجماعة وطرحها وتبنيها مبادرات الحوار مع القوى السياسية المختلفة، وتستطيع أيضاً أن تحترم تحركها البراجماتى لعقد الصفقات مع النظام، كما أفصح عن ذلك المرشد السابق.. فإذا كان ثمن الصفقة 88 مقعداً فى البرلمان، فلابد أن ترفع القبعة للتنظيم. لكن لابد أن يقفز إلى ذهنك سؤال حول هذا الانفتاح الإخوانى، بدءاً من حوار مع حزبى التجمع والناصرى، وحتى إشارات من قيادات بالجماعة توحى بتأييد البرادعى، ناتج عن رغبة حقيقية فى الحوار، وإيمان به كإحدى آليات الحركة بين الأطراف السياسية فى إطار مشاركة لا يحتكر فيها أحد اليقين. إذا كان الإخوان يؤمنون بالحوار فعلاً، فلماذا لم يقابل انفتاحهم على القوى السياسية والحركات الاحتجاجية، بانفتاح مماثل على القوى الإسلامية الموجودة فى المجتمع؟! هذا السؤال لا أطرحه فى المطلق، وإنما هى شكوى مباشرة طرحتها الجماعة الإسلامية على موقعها الإلكترونى، حيث استنكرت انفتاح الإخوان على الأحزاب السياسية، فى الوقت الذى تتجاهل فيه القوى الإسلامية الأخرى. واستغربت الجماعة من تجاهل الجماعة «الأم» لكل الحركات الإسلامية الأخرى، وعدم القيام تجاهها بخطوات مماثلة رغم التوافق على العديد من الأسس والثوابت المشتركة بين القوى الإسلامية، وأن تمد يدها للأحزاب والتنظيمات السياسية الأخرى. واتهمت الجماعة الإسلامية - التى تخلت عن نهج العنف قبل 13 عاماً، وطرحت مراجعات تاريخية وذات جدوى حقيقية فى التخلص من التطرف الفكرى المرتبط بممارسة العنف المسلح - جماعة «الإخوان» ب«احتكار الساحة الإسلامية»، وذلك عن طريق نفى الآخر (المتفق معها فى الكثير من الأسس والثوابت) معنويًا وفكريًا عن طريق تجاهله، بينما هى تجد السير ناحية الأحزاب العلمانية. لماذا يتحرك الإخوان إذن نحو هذا الانفتاح؟! لا تقل إنه إيمان بالحوار وقناعة بالديمقراطية، فلو كان ذلك كذلك لكان الأشقاء فى الجماعة الإسلامية أولى بهذا الحوار، أو على الأقل يسير الحوار معهم بالتوازى مع حوار الجماعة مع باقى القوى السياسية، لكن الإخوان يحسبون الحسبة بشكل بعيد عن الأبجديات والأخلاقيات العامة.. هى حسبة براجماتية بحتة، فقد يكون الوزن السياسى للجماعة الإسلامية لا يثير شهية أحد، وقد تكون الاستفادة الإعلامية للإخوان من حوار مع اليسار أكثر وأشد نفعاً على المستوى القريب. تلك حسبة الإخوان وليس من حقك ولا حقى مراجعتهم فيها، لكن ما يخصنا ونكاد نكون أصحاب مصلحة فيه، أن الإخوان باعتبارهم فصيلاً سياسياً مهماً، يثبتون من خلال ذلك أن الصورة النمطية التى يروجونها عن أنفسهم باعتبارهم الممثل الشرعى والوحيد ل«الإسلام الصحيح» مازالت حاضرة فى عقولهم، ويقومون وفق هذه القناعة بنفى وتهميش وتجاهل الأطراف الإسلامية الأخرى. إذا كان الإخوان مازالت لديهم الجرأة فى احتكار «الإسلام» واليقين الذى يمثله، فى الوقت الذى لم يحسموا بعد أمرهم من مسألة الديمقراطية ومدنية الدولة، فلماذا نرحب بانفتاحهم ونتخلى عن الحذر؟! [email protected]