أطلق الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى على القاهرة فى ديوانه الأول اسم «مدينة بلا قلب»، وسيراً على خطاه سأطلق على بكين لقب «مدينة بلا دش»!، فاللافت للنظر أن أسطح العمارات فى بكين ليس مثبتاً عليها أى طبق لاقط للفضائيات أو دش، وإذا شاهدت دشاً فمن المؤكد أن هذا المبنى فندق سياحى، الصين قارة على شكل وطن، جميع الأديان والأشكال والألوان والثقافات ولكنها جميعاً بنفس العيون الصينى والملامح الصينى واللغة الصينى، مكتفية بلغتها ومعتزة بثقافتها لدرجة النرجسية، أكثر من مائة فضائية صينية تبث برامجها ويكتفى بها الصينيون، ولا يلقون بالاً لفضائيات الأوطان الأخرى. أكبر مشكلة تواجهك فى الصين هى سائق التاكسى الذى لا يعرف كلمة إنجليزية واحدة، ولا تنفع معه أى تعبيرات أو تشبيهات أو إيماءات أو شقلباظات، هو لا يفهم إلا اللغة الصينية، ولا يحاول أن يمارس الفهلوة المصرية ويفهم ما تقول بالتقريب أو ب«الويم». ويا ويلك يا ظلام ليلك إذا خرجت من الفندق دون ورقة مكتوب عليها بالصينى عنوان الجهة التى تود الذهاب إليها أو عنوان الفندق، التوهان هو مصيرك والشارع هو ملاذك، ولن تعود إلى فندقك إلا بالبوليس!. شوارع بكين متسعة بشكل مدهش، ونظيفة بشكل يعقد مجلس محلى القاهرة العامرة، ويكفى أن تشاهد الشارع المواجه للمدينة الممنوعة بالست حارات حتى تعرف معنى التخطيط للمستقبل فى وطن يقترب تعداد سكانه من المليار ونصف المليار، وأبراج بكين تحف فنية تتحول فى المساء إلى لآلئ مبهرة. أما الفصال فى الصين فحدِّث ولا حرج، والشراء من مولات بكين تجربة مجهدة ذهنياً وبدنياً، وكل محال المولات تسيطر عليها بنات الصين، والسلوك واحد والكلام نفس الكلام، تبدأ البائعة بكلمة «أنت صديق» ثم تحسب على الآلة الحاسبة وتكتب رقماً بالآلاف فتكتب أنت رقماً بالعشرات أو بالمئات، تنهار البنت وربما تبكى ثم تتحول بعد دقائق إلى العنف والشتيمة وربما الضرب، تطلب منك آخر سعر عشرين مرة، وكلما حاولت الهرب من المحل جذبتك بعنف، تندهش من أرقامك وتتهمك بالجنون وبأنك ذبحتها، ثم فى نهاية المعركة توافق على الرقم الذى كتبته أنت والذى يساوى واحداً على مائة مما كتبته!!، كل شىء مقلد وبمنتهى الإتقان، جميع الماركات والسينيهات موجودة من الساعات إلى البدل والأحذية واللاب توب والإلكترونيات.. إلخ، كله مضروب وموجود وبرخص التراب. عرفت هناك أننى أشرب الشاى الأخضر بطريقة خطأ، فهم هناك لهم طقوس خاصة جداً فى شربه أهمها أنهم يرمون السائل المغلى الأول فى شبه تنقية لرواسب وعكارة هذا الشاى ثم يشربون ما يليه، أما الأكل هناك فهو العذاب بعينه، وكان أعظم فرصة للريجيم، وعندما تشمه أو تشاهده حتماً ستقول: عمار يا مصر!