آخر عجائب مصر المحروسة أن يرسل السيد رئيس الوزراء إلى المحكمة الدستورية العليا ليسأل عن تفسير كلمة مصرى.. وهل تعنى هذه الكلمة الذكور فقط أم تشمل الإناث أيضاً؟! يعنى لو أن المحكمة الدستورية العليا ارتأت أن كلمة مصرى تعنى الذكور وحدهم لأصبح على أربعين مليون امرأة ويزيد، وهو تعداد الإناث فى مصر، أن تحمل كل واحدة منهن عصاها وترحل عن هذا البلد الذى يستنكف فيه بعض الرجال أن يكون للأنثى شرف حمل صفة «المصرى».. وبالتالى لا تستأهل المواطنة.. بل ربما لا تستأهل حمل صفة الإنسان! والحقيقة أن المسؤول عن طرح هذا السؤال الذى يدل على أن المجتمع المصرى يعانى من الشيزوفرانيا ليس رئيس الوزراء.. فهو معذور فى اتخاذ هذا الإجراء المثير للأسى، بعد أن قام أعضاء الجمعية العمومية لمجلس الدولة بزلزال رفض تعيين المرأة قاضية بعد أن تم تعيينها فى المحكمة الدستورية العليا بسبع سنوات بخلاف اثنين وأربعين قاضية فى القضاء العادى منذ ثلاثة أعوام.. وأنهم فى مجلس الدولة من أجل الاستمرار فى عرقلة تعيين المرأة فى مجلسهم الموقر قاموا بتفسير كلمة مصرى الواردة فى قانون مجلس الدولة بأنها تعنى الرجل وحده. فالمصرى الذى يستحق شرف المواطنة وبالتالى شرف العمل فى قضاء مجلس الدولة لابد أن يكون رجلا.. ولا يجوز حسب رؤياهم القانونية أن يكون أنثى. ذلك أن الأنثى تحمل وتلد وتعرف الدورة الشهرية.. وهى أمور مثيرة للتقزز!! والعجيب أن تكون هذه هى أسباب الرفض الحقيقية التى لا يفصح عنها علنا عدد كبير من أعضاء مجلس الدولة وإن كانوا قد أسروا بها إلى الإعلامى الكبير وائل الإبراشى الذى أعلنها فى برنامجه الشهير «الحقيقة»، الذى يعرض على قناة «دريم» فليس سبب الرفض كما يعلن هؤلاء السادة هو عدم مواءمة وملاءمة العمل للمرأة وأمور أخرى غريبة مثل عدم استعداد استراحات القضاة خارج القاهرة لاستقبال القاضيات.. وإنما لأن الوظائف البيولوجية التى خص بها الله سبحانه وتعالى المرأة دون الرجل للحفاظ على النوع البشرى بما فيه نوع السادة أعضاء الجمعية العمومية لمجلس الدولة هى فيما يبدو من وجهة نظرهم عمليات لا تجعل المرأة قادرة على تحمل مشاق وظيفة القاضى بمجلس الدولة بشكل خاص.. وهذه الوظائف البيولوجية فى مفهومهم تحط من شأن هذا المخلوق الأنثوى وتجعله غير قادر على التفكير المتزن واتخاذ القرارات وهو ما ثبت عكسه على امتداد تاريخ الأمم بما فيها التاريخ المصرى وما ثبت فى هذا العصر من قدرة المرأة على أن تجلس فى مقعد رئيس الدولة وليس فقط منصة القاضى. فهؤلاء السادة وكل من يفكر بطريقتهم لا ينظرون بالاحترام الواجب نحو أعظم عمليات الخلق الإنسانى على الأرض وهى عملية الحمل والولادة وإخراج طفل إلى الوجود من رحم أمه إلى الدنيا وهو ما يعجز عنه الرجال جميعاً إذا اجتمعوا على أن يأتوا بمثله. ولكن الفكر الذكورى جعل من هذه العملية الإبداعية التى تتفوق فيها المرأة على الرجل مسألة تحط من شأن المرأة حتى إن البعض أخذ يتساءل.. ما الموقف إذا ما جلست المرأة على منصة القضاء وهى حامل؟ وكأن الحمل عورة.. وكأن هؤلاء الرجال لم يسمعوا بأن الرئيس الفرنسى ساركوزى قد اختار فى أول وزارة يؤلفها بعد توليه الرئاسة امرأة مغربية الأصل لتولى وزارة العدل.. وأن هذه الوزيرة كانت حاملاً عندما كانت تمارس مهام وظيفتها الوزارية.. وكأن هؤلاء الرجال لم يعرفوا بأن وزيرة الدفاع فى إسبانيا امرأة.. وأن وكالات الأنباء قد طيرت صورها وهى تستعرض إحدى وحدات الجيش وهى حامل فى شهورها الأخيرة؟! وفى كل دول العالم المتحضر ينظر الناس إلى المرأة الحامل بكل تقدير واحترام.. ويفرحون بها ولها لأنها تحمل داخل جسدها معجزة من أعظم معجزات الله سبحانه.. أما فى المجتمعات المتخلفة فإنهم عندما يرون الحامل فإنهم لا يفكرون إلا فى أسوأ الأفكار والمشاعر. لقد كان من المؤسف حقاً أن تتداول مثل هذه الأحاديث التى تحط من شأن المرأة المصرية فى شهر أعياد المرأة.. وكأن المصرية التى كانت رائدة فى المنطقة العربية قد خلقت من طينة أخرى غير طينة كل نساء الأرض.. من طينة أخرى غير حتشبسوت وشجرة الدر وكليوباترا وأنديرة غاندى ومارجريت تاتشر وأنجيلا ميركل وهيلارى كلينتون وكل رئيسات الدول فى أمريكا اللاتينية وآسيا وحتى أفريقيا.. وإذا كان أعضاء الجمعية العمومية لمجلس الدولة قد استطاعوا عرقلة تعيين خريجات كليات الحقوق المتفوقات فى مجلسهم الموقر لفترة.. فالخسارة لهم وللمجلس.. أما المرأة المصرية فسوف تأخذ طريقها فى وقت قريب إلى مجلس الدولة وغيره من المناصب التى تستحقها مدعومة بحقها الدستورى وبكل الرجال والنساء الذين يؤمنون بأن المصرى هو كل رجل وامرأة.