بعد مطاردة استمرت سنوات، تمكنت إيران، الأسبوع قبل الماضى، من اعتقال عدوها الأول زعيم جماعة «جندالله» السنية المتمردة عبدالملك ريجى، الذى تتهمه بتدبير هجمات دامية بدعم من باكستانوالولاياتالمتحدة، ولايزال الغموض يكتنف عملية إسقاط ريجى وتختلف السيناريوهات فى تتبعها، ولم يكتف «المخرج» الإيرانى بذلك بل عرض اعترافات ريجى، بأن الولاياتالمتحدة عرضت عليه مساعدته فى محاربة النظام الإيرانى، كان وزير المخابرات الإيرانية، حيدر مصلحى، أعلن أن ريجى مثل بعد اعتقاله أمام الهيئة القضائية وأنه «سيلقى يوم القيامة»، فى إشارة إلى أنه سيحكم عليه بالإعدام. وتتهم إيران ريجى وجماعته بالاتجار فى المخدرات والاختطاف وشن حملة تفجيرات فى محافظة سيستان وبلوشستان ذات الأغلبية السنية، وأنه المسؤول عن قتل 282 إيرانياً، معظمهم من رجال الشرطة والأمن وقوات الحرس الثورى كما تحمله مسؤولية خطف 23 شخصاً من بينهم سياح أجانب فى السنوات الأخيرة. واعتبر مصلحى اعتقال ريجى نصراً مبيناً لمخابرات الجمهورية الإسلامية، بعد أن أجبرت مقاتلة إيرانية طائرته على الهبوط فى طهران. وأوضح أن ريجى التقى قبل اعتقاله بقائد أمريكى فى حلف شمال الأطلنطى «ناتو» فى أفغانستان، وأن أحد الموضوعات التى بحثوها كان فصل محافظة سيستان وبلوشستان عن إيران، وثم غادر إلى دبى ومنها توجه إلى أحد القواعد الأمريكية فى قيرغيزستان ليتم اعتراض طائرته فى هذه الرحلة. ويرى محللون أن اعتقال ريجى بهذا الشكل ربما يأتى فى سياق صفقة بين أمريكا وإيران تقضى بالسماح باصطياد ريجى مقابل أن تسلم إيران الأمريكيين الثلاثة الذين اعتقلتهم على الحدود الإيرانية، فضلا عن أنها خطوة تظهر حسن النية من قبل الغرب لطهران لدفعها للتراجع عن تخصيب اليورانيوم. ولكن بعض المراقبين اعتبروا أن إيران سعت لاستغلال اعتقال ريجى لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فهى قامت برد هيبة الأمن الإيرانى التى تضررت كثيرا فى تفجير بلوشستان، فى الداخل وإرسال رسائل للخارج بأن طهران متيقظة لأى تحركات للغرب للتنكيل بها. ولد ريجى عام 1979 وينتمى إلى إحدى أكبر القبائل البلوشية، توفى أبوه منذ أكثر من عامين، وهو أحد خمسة أشقاء، أحدهم معتقل حاليا فى سجون طهران، بينما قُتل الثالث فى عملية تفجير بسيارة مفخخة، وله شقيق آخر يقال إنه المنظر الحقيقى لجند الله، لأن ريجى مجرد القائد الميدانى للتنظيم. أما الخامس فهو الذى يعود تاريخ مقتله إلى عام 2002 بداية الشرارة الأولى للمواجهات التى انطلقت ضد السلطات الإيرانية فى إقليم (سيستان بلوشستان) عندما قتله عناصر الحرس الثورى أمام عين شقيقه عبد المالك، الشاب الذى لم يتجاوز عمره آنذاك 23 عاما، فجمع عدداً من رفاقه للقيام بعمليات مسلحة ضد القوات الحكومية حتى ترفع يدها عن سكان الإقليم الذى يقطنه السنة جنوب شرق إيران، وتلخص «جندالله» أسباب تمردها على النظام الإيرانى بالسعى لرفع الظلم والاضطهاد عنها واحترام مذهبها واستعادة حقوقها المغتصبة، ودعم قيام نظام ديمقراطى يعامل مواطنيه معاملة مساوية بغض النظر عن دينهم وطائفتهم. ويرى المراقبون أن سقوط ريجى، على رغم سطوة تنظيمه وشخصيته، لن يكون الفصل الأخير فى الصراع بين تنظيم «جندالله» والسلطات الإيرانية، وقد يفتح الصراع على مصراعيه لباب الحروب الاستخباراتية القذرة.