لا تُصالح.. ولو توجوك بتاج الإمارة، كيف تنظر فى يد من صافحوك.. فلا تبصر الدم فى كل كف؟ إن سهماً أتانى من الخلف.. سوف يجيئك من ألف خلف.. (أمل دنقل) تذكرت هذه الأبيات المبدعة للراحل الكبير (أمل دنقل) فى رائعته الأشهر (لا تصالح).. تذكرتها عندما شاهدت رئيس الاستخبارات السعودية السابق (الأمير تركى الفيصل) وهو يصافح ويتحدث مع (دانى أيالون)، نائب وزير الخارجية الإسرائيلى، فى مؤتمر ميونخ الأمنى يوم 6/2/2010، تذكرتها ودعوت لأمل دنقل بالرحمة. ■ على أى حال وبعد هدوء عاصفة الاحتجاج، التى تلت المصافحة دعونا نسأل وبهدوء: هل كانت مصافحة (تركى الفيصل) هى أولى المصافحات عربياً وسعودياً أم أنها أحدثهم فى مسلسل طويل. الكل ينتشر الآن على أرض الخليج كتفاً بكتف مع القواعد العسكرية الأمريكية، وبعض من هذه العلاقات (وهنا المفاجأة) أقدم من اتفاقات كامب ديفيد (1979)، بعضها يمتد إلى خلية فكتوريا المخابراتية وعلاقات عدنان خاشوقجى وكمال أدهم وبعض الأمراء بالصهاينة، دعونا نتذكر سوياً عملية ترحيل يهود الفلاشا والدور الخطير الذى قام به عدنان خاشوقجى مع شارون والنميرى!!)، إن التاريخ يحدثنا أن مصافحات العار لم تكن فقط أثناء مؤتمر حوار الأديان فى نيويورك (2008)، الذى حضره الحاخام شيمون بيريز، أو بين بندر وإيهود أولمرت فى خليج العقبة 2006. المصافحات، ثم الاتفاقات السياسية والاقتصادية قديمة، وعلى مناهضى التطبيع أن يربطوا بين القديم والجديد، لأن ما هو قادم مستقبلاً أسوأ، وما هو قادم مبنى كلية على القديم من العلاقات، بين بعض دول الخليج الحليفة لأمريكا، المتحالفة استراتيجياً بدورها مع إسرائيل، إن علاقات (أولاد العم هؤلاء) قديمة فلا داعى للانزعاج من الجديد، ليكن انزعاجنا من القصة كلها قديمها وجديدها، وإليك بعض المعلومات عن التطبيع القديم، حيث يحدثنا التاريخ أنه بعد فضيحة نقل يهود الفلاشا فى الثمانينيات، أتى التعاون الأكبر بين دول الخليج وإسرائيل أثناء حرب الخليج عام 1991 حيث على سبيل المثال اشترت إحدى أكبر دول الخليج من إسرائيل منصات إطلاق صواريخ توماهوك، وقذائف مضادة للدروع، وطائرات استطلاع بدون طيار، وأجهزة ملاحة، فضلا عن 14 جسراً عسكرياً صنّعتها شركة «تاس» الإسرائيلية (سعر الجسر الواحد مليون دولار) ويضيف الخبيران الأمنيّان (ميلمان، رافيف)، أن إسرائيل شحنت لهذه الدولة الخليجية الكبيرة مناظير للرؤية الليلية ومعدات لزرع الألغام وقد أمر الجنرال شوارتز كوف، قائد قوات التحالف الغربى ضد العراق، بإزالة جميع الكتابات العبرية المنقوشة على الأسلحة حتى لا يكتشف أحد منشأها. ■ ثم يأتى الخبير العسكرى (سليج هاريسون) ليبرز فى كتابه (الحرب ذات الكثافة المحدودة) أبعاد عمليات التمويل وطرقها، قائلا(إن مصدرا رفيعا فى المخابرات الأمريكية أبلغه على سبيل المثال أن المخابرات الأمريكية دفعت 35 مليون دولار عام 1986 لإسرائيل من أموال تلك الدولة الخليجية الكبيرة لشراء بعض الأسلحة التى غنِمتْها إسرائيل من الفلسطينيين أثناء غزوها لبنان عام 1982، ثم قامت بشحنها جوا إلى باكستان لتوزيعها على من سموا المجاهدين فى أفغانستان (مداولات مجلس الشيوخ الأمريكى عام1987 ص203). ولماذا نذهب بعيداً، أليست مبادرة السلام العربية التى أعدها توماس فريدمان وقدمها ملك السعودية للقمة العربية عام 2002، هى أعلى مراتب التطبيع السياسى الذى ينقض الحقوق الوطنية الفلسطينية ويدمرها وفى مقدمتها حق العودة؟! إذن هل لنا أن نلوم تركى الفيصل على فعل (مرفوض قطعاً)، ولا نلوم من مهدوا الطريق وعبدوه بالعلاقات الدافئة حتى باتت المصافحات أمراً هيناً أو على حد تعبير الراحل (مقتولاً بالسم الإسرائيلى) ياسر عرفات ذات يوم (للأسف لقد أضحت الخيانة مجرد وجهة نظر). [email protected]