«هو كلام هجص، المستثمر كتر خيره، ولا هو وجع قلب. أنا مشبوه يا وسخ، أنا وطنى وأشرف منك، والله ما هسيبك يا وسخ يا حيوان، وحياة أمك ما هسيبك.. أمثالك هم المشبوهين. على الطلاق من بيتى ما هسيبك». بعد الاعتذار عن إعادة نشر النص المزرى أعلاه، فإنه، للأسف الشديد، ليس حواراً دار فى حارة مأفونة تعانى هيمنة البلطجية وأرباب السوابق، ولا عبارة تضمنها مشهد تمثيلى فى أحد أفلام سينما المقاولات الرديئة، لكنه «واقعة برلمانية»، ونقل أمين للطريقة التى تعاطى بها أحد نواب مجلس الشعب المنتخبين مع زميل له. كان هذا آخر الأخبار الواردة من البرلمان، حيث احتفت الصحف ووسائل الإعلام داخل مصر وخارجها بتلك الواقعة المثيرة احتفاء كبيراً، كما خصصت لها مساحات معتبرة لمتابعة تداعياتها. قبلها مباشرة كانت وسائل الإعلام مشغولة بقضية «نائب القمار»، وهو العضو الذى تم تصويره أثناء تواجده فى أحد نوادى القمار، مستخدماً جواز سفر غينياً. لكن تلك القضية لم تحظ بمتابعة ممتدة، لأن موضوعاً برلمانياً آخر جذب الانتباه العام، فقد نشرت بعض الصحف مستندات مهمة كشفت فضيحة جديدة، عُرفت ب «فضيحة قرارات العلاج على نفقة الدولة»، كما ظهرت قضايا صغيرة أخرى، منها أن نائباً وأنصاره اعتدوا على مركز شرطة، وأن آخر ضرب مواطنين أو موظفين عموميين. تهتم وسائل الإعلام المصرية المختلفة بتكوين أقسام قوية لتغطية شؤون البرلمان، خاصة أن الخبر البرلمانى بات يحتوى جميع عناصر الإثارة والجذب، وها هى تستعد لنضال كبير فى تغطية الانتخابات التشريعية المقبلة، بما ستحويه بالقطع من أعمال عنف وبلطجة وتزوير وفساد سياسى وتبادل شتائم واتهامات، تشكل معيناً لا ينضب لقصص صحفية مثيرة للاهتمام. لطالما شكل البرلمان بؤرة لتخليق الأخبار والقصص وإثارة الانطباعات الواضحة، فقبل «نائب القمار» مباشرة، كان وزير المالية وعضو البرلمان المنتخب فى آن يستخدم شتائم وعبارات مسيئة فى إحدى مداخلاته البرلمانية، وبعدها ردد أعضاء آخرون العبارات المسيئة ذاتها فى أكثر من مجال، بعدما رفع نواب آخرون الأحذية فى مواجهة خصومهم السياسيين. ولعلك تذكر بالطبع قضية سوزان تميم، والتى تورط فيها أحد أعضاء البرلمان المهمين، وقبلها مباشرة قضية أكياس الدم الملوثة، التى أُدين فيها عضو بمجلس الشعب قبل أن يهرب من تنفيذ الحكم، كما فعل زميله فى مجلس الشورى صاحب العبّارة، الذى يقيم بلندن ولا يريد أحد أن يطلب تسلمه. قد يرد أحدهم بأن تلك القضايا فردية لا يصح التعويل عليها فى سحب أحكام جامعة، خصوصاً أن كل مجتمع ومجال به الصالح والطالح. لكن البرلمان بات يصدر لنا صوراً طالحة فقط للأسف الشديد، كما أن كثيراً من نتاجاته المشينة صدرت فى صورة جماعية، مثل قضايا «نواب القروض»، و«نواب الكيف»، و«نواب الأغذية الفاسدة»، و«نواب تأشيرات الحج»، و«نواب البلطجة»، و«نواب التجنيد»، فضلاً بالطبع عن أصحاب «المخالفات الصغيرة»، مثل «التغيب المزمن عن الجلسات»، أو «النوم أثناءها»، أو «رفع اليد بالموافقة آلياً ومن دون تفكير»، و«الهرولة خلف الوزراء للحصول على تأشيراتهم»، و«استخدام النفوذ لتحقيق منافع مشبوهة». لعلك شاهدت أفلاماً مثل «عمارة يعقوبيان»، و«اللعب مع الكبار»، و«طيور الظلام»، و«بخيت وعديلة»، و«الواد محروس بتاع الوزير»، وغيرها، ولعلك قرأت أخباراً وشاهدت برامج تنقل ما يحدث تحت قبة البرلمان من ملاسنات وشتائم وأنماط أداء مشينة، ولعلك أيضاً قرأت عن جملة الفضائح المتواترة بداية من البلطجة والتزوير المصاحبة لانضمام العضو إلى البرلمان، وانتهاء بإحالته إلى لجنة القيم أو هروبه خارج البلاد بعد إدانته فى إحدى الجرائم. لا شك أن ثمة شرفاء وطنيين مخلصين بين أعضاء البرلمان فى مصر، لكن لا شك أيضاً أن «ماركة» هذه المؤسسة باتت رديئة وغارقة فى الوحل، وأن معظم من يسيئون إليها هم من نواب الحزب الوطنى، وأن استمرار الأوضاع على ما هى عليه سيؤدى إلى فرز عكسى لا يقود إلى مقاعد البرلمان سوى شرار الناس، والأخطر من ذلك أنه سيؤدى إلى أن يفقد الجمهور اليقين فى الديمقراطية والسياسة والمشاركة العامة.. وربما أيضاً فى المستقبل والقيم والانتماء.