لا يؤلمنى شىء مثلما يؤلمنى ضياع رموز التراث الإنسانى الخالد، لأنها حصاد جهد ومعاناة وإبداع إنسانى متفرد من ناحية، ولأنها أصبحت نماذج وحيدة ونادرة من ناحية أخرى، فلو كانت لوحة «بنت البلد لمحمود سعيد» تساوى مليون دولار مثلا، ففى مصر آلاف الأشخاص يملكون هذه المليون دولار، أما اللوحة فهى وحيدة إلى الأبد، فإذا تلفت أو ضاعت فللأبد أيضا، ولذلك فقد أفزعنى سرقة لوحة زهرة الخشخاش، للفنان الشهير فان جوخ من متحف محمد محمود خليل وحرمه، وتأتى قيمة اللوحة أولا، من انتمائها إلى المدرسة التأثيرية، أهم مدارس التصوير فى العصر الحديث. فلقد هيمنت قواعد التصوير الكلاسيكى الصارمة - ذات الأصول الكنسية - حتى منتصف القرن التاسع عشر، وكانت تلك القواعد تشترط أن يكون الرسم داخل الأستوديو، وأن يكون للخط الوقعى الأولوية على اللون والظل والتعبير، وأن يأتى الضوء بزاوية قدرها 45 درجة من أحد جانبى اللوحة، وأن يكتمل الشكل داخل الإطار، فلا يمكن رسم نصف وجه مثلا، ولا يمكن رسم الأشياء أو المناظر الطبيعية، كما لا يمكن التعبير عن المشاعر المتأججة، وأخيراً، لا يمكن رسم البسطاء أو الناس العاديين، ولذلك، فنماذج تلك المدرسة لا تخرج عن تصوير الحكام والنبلاء الواقفين فى زهو فارغ، أو نساء الأرستقراطية بلحومهن البيضاء البضة وملابسهن وحليهن الثمينة، على المقاعد الوثيرة بنظرات تخلو من المعنى، وقد حاولت المدرسة الرومانتيكية، والمدرسة الواقعية فى النصف الأول من القرن التاسع عشر التمرد على بعض قواعد تلك المدرسة الكلاسيكية، ولكنها انتهت إلى وضع قواعد لا تقل صرامة عنها، ولكن فى منتصف القرن، قرر عدد من الفنانين الشباب التمرد على كل القواعد. وهكذا، راح عدد من الشباب المتمرد المبدع الرافض للأفكار والقيم الأرستقراطية الطبقية، التى عفا عليها الزمان، يجتمعون فى مقاهى الصعاليك فى باريس ليلا، وفى النهار، يحملون لوحاتهم وأدواتهم ليرسموا الناس العاديين والحقول والغابات والكبارى والمقاهى وبنات الهوى والشحاذين، وقد حرصوا فى رسومهم على العصف بكل القواعد الكلاسيكية التى أشرنا إليها، واهتموا بشكل خاص بأن يرتفع صخب الألوان وصراع الأضواء فى لوحاتهم فوق أى قيمة أخرى، وعندما رفض المعرض السنوى الملكى سنة 1874 عرض لوحات هؤلاء الفنانين المتمردين والخارجين على الأصول الفنية، فقد أقاموا معرضا احتجاجيا خاصا بهم شهده الناقد «لويس ليروى» وراح يتهكم على لوحة «مونيه، تأثر بشروق الشمس» فكتب: «تأثر فهو متأثر ومؤثر ومتأثرون يؤثرون» ومنه استمدت المدرسة اسمها الشهير «التأثيرية» impressionism. ومن مبادئ التأثيرية، انطلقت ثورة الفن الحديث ومدارسه المختلفة، تعبيرية وتكعيبية وسريالية ووحشية وتجريدية وغيرها، أما مبدع لوحتنا فهو الفنان الشهير «فنسنت فان جوخ» ولد سنة 1853، ومات منتحرا بإطلاق الرصاص على صدره، سنة 1890، عن سبعة وثلاثين عاما عانى فيها الفقر والتشرد وعدم الاعتراف بفنه والاضطرابات النفسية، ومع ذلك فقد ظل يرسم بحماس بالغ حتى ترك لنا 800 لوحة، تمثل أى واحدة منها ثروة لا تقدر بثمن، وتضاربت تصريحات وزارة الثقافة مع تصريحات وزيرها، ولم نعد نعلم حتى لو عادت اللوحة، إن كانت اللوحة العائدة هى الأصلية أم أن سارقيها كانوا فقط يريدون بعض الوقت للانتهاء من تقليدها بمهارة وإعادة النسخة المقلدة لا الأصلية، وتم توجيه الاتهام بالإهمال لعدد من الموظفين، ويظل وزير الثقافة المسؤول الأول عن العديد من الكوارث، وعن فساد بعض معاونيه الذين حكم عليهم بالسجن. [email protected]