منذ اللحظات الأولى لبدء العدوان الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية، الذي استهدف منشآت نووية باستخدام الطائرات الحربية، اتخذت الجولة الجديدة من التصعيد بين طهران وتل أبيب بُعدًا غير تقليدي، فبعيدًا عن التوتر العسكري المألوف، حملت العملية الإسرائيلية اسمًا دينيًا ذا دلالة رمزية عميقة: «عام كلافي»، وهو تعبير توراتي يعني بالعربية «شعب كالأسد»، الاسم المستوحى من نبوءة بلعام بن بعور في سفر العدد: «هوذا شعب كالأسد يقوم، وكالليث يرتفع، لا يضطجع حتى يأكل فريسة ويشرب دم القتلى»، ما عكس رسالة واضحة تجسد القوة المزعومة للشعب الإسرائيلي واستعداده للهجوم والانتصار في وجه أعدائه. إيران ترد بعملية «الوعد الصادق» ردّ إيران على العملية لم يتأخر، فجاء بعد ساعاتٍ باسم لا يقل دلالة دينية ورمزية تلهب النفوس: «الوعد الصادق 3»، في إشارة مباشرة إلى المفردات القرآنية، ففي الآية (97) من سورة الأنبياء، ورد قوله تعالى: «واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصةٌ أبصار الذين كفروا»، الآية التي استمدت منها اسم العملية تحمل في طيّاتها الوعيد الإلهي لمن لا يؤمنون بعبادة الله يوم القيامة، ما يبث في صدور المؤمنين مزيدًا من الثبات واليقين في النصر والغلبة على أعداء الدين. ويعكس هذا الاسم المستلهم من الخطاب الشيعي بدوره إصرار طهران على ترسيخ المواجهة في إطار عقائدي، لا يقتصر على البعد الجغرافي أو السياسي فقط، بل يتعداه إلى معركة رموز دينية تتجدد في كل جولة لتكسب الجيش الإيراني شرعيةً وتأييدًا داخليًا على مستوى الشعب وخارجيًا على مستوى العالم الإسلامي، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالعدو الصهيوني الذي يستهدف جميع المسلمين بشكل عام وجميع العرب بشكل خاص في أي مكان يتواجدون فيه على الأرض. شعارات الشارع وساحة حرب مفتوحة الصراع الديني لم يقتصر على الجبهات العسكرية، بل وجد صداه في الشارع الإيراني وشوارع حلفائه، خاصةً جماعة الحوثيين في اليمن، حيث تتكرر الشعارات مثل: «الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل»، في دلالة واضحة على تأطير الحرب ضمن خطاب ديني سياسي يربط بين العدو الخارجي والعقيدة، وباتت هذه الشعارات منتشرة بشكل لافت في الشوارع الإيرانية خلال الأيام الأخيرة من القصف المتبادل، الذي دخل يومه الرابع على التوالي. وقبل فجر اليوم الإثنين، شهدت المستوطنات الإسرائيلية واحدة من أكثر ليالي الحرب دموية، إذ أسفر القصف الإيراني عن مقتل 8 أشخاص في مناطق متفرقة من إسرائيل، بينهم 3 في مدينة حيفا، ووفقًا لمراسل القناة 14 الإسرائيلية، أدير لحكيم، فإن الضحايا الثلاثة في حيفا لقوا حتفهم بعد محاولتهم الوصول إلى منطقة محمية قبل أن ينهار المبنى عليهم، وترافق الحادث مع اندلاع حريق كثيف أدى إلى اختناقهم نتيجة الدخان الأسود المتصاعد. ضحايا ومصابون بالعشرات وبحسب مصادر رسمية من حكومة الاحتلال، أُصيب 87 مستوطنًا في الليلة الماضية بينهم امرأة في الثلاثين من عمرها حالتها حرجة نتيجة إصابة مباشرة في الوجه، كما وُصفت إصابات 5 آخرين بالمتوسطة، وأصيب 81 آخرون بجروح طفيفة جراء الشظايا أو الزجاج المتناثر. وتشير التقارير الإسرائيلية إلى الضربات استهدفت مناطق سكنية مأهولة، ما أدى إلى أضرار واسعة في المباني والمركبات، بينما استمرت فرق الإنقاذ والطوارئ، بمشاركة الشرطة والجيش، في العمل لساعات طويلة لإنقاذ العالقين وإجلاء المصابين. رأي عام منقسم ومواقف متباينة الموقف الشعبي داخل الوطن العربي حيال التصعيد العسكري اتسمت بالتباين، فبمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي التي تعتبر قنوات مجانية متاحة للجميع كي يعبرون عن أفكارهم وتوجهاتهم السياسية والأيدولوجية، رصدت «المصري اليوم» مجموعة من المنشورات المتحمسة للقصف الإيراني على الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، عبّر خلالها مؤيدون لإيران عن دعمهم للهجوم واعتبروه انتقامًا مستحقًا لضحايا غزة الذين يعيشون تحت وطأة حصار ومعاناة مستمرة منذ أكثر من 600 يوم. في المقابل، يرى آخرون أن إيران تسعى عبر هذا التصعيد إلى حفظ ماء الوجه بعد ضغط داخلي ودولي، دون نية فعلية للدخول في مواجهة حاسمة تثبت قدرتها على تنفيذ تهديداتها الخاصة بإزالة الوجود الإسرائيلي على أرض فلسطينالمحتلة. كما يكشف الخطاب الإيراني رغم تصعيده رغبةً ضمنية في إنهاء المعركة، لكن دون أن تبدو طهران الطرف الضعيف الذي يبادر بالانسحاب، فهي دائمًا ما تشير إلى إمكانية عودة المفاوضات والتوقف عن الهجوم، وهو ما عبّر عنه بوضوح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، يوم أمس الأحد، حين قال خلال اجتماعه مع دبلوماسيين أجانب إن الهجوم الصاروخي من جانب دولته سيتوقف في حال إنهاء الدولة العبرية هجومها على إيران المستمر منذ الجمعة الماضية.