كشف قمر صناعي تابع لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا" ونظيرتها الفرنسية "CNES"، عن أول دليل مباشر على موجتين عملاقتين من "تسونامي" اجتاحتا أحد المضائق الجليدية شرقي جرينلاند، في ظاهرة زلزالية غير مألوفة أربكت العلماء لأشهر، مسببتين هزّات أرضية امتدت على نحو استثنائي لتسعة أيام متواصلة في سبتمبر 2023. ووفقًا لدراسة علمية حديثة نُشرت هذا الأسبوع، استطاع القمر الصناعي "SWOT"، المخصص لمراقبة المياه السطحية على كوكب الأرض، أن يرصد هذه الظاهرة الاستثنائية بدقة غير مسبوقة، ما مثّل خطوة فارقة في استخدام تكنولوجيا الفضاء لرصد التغيرات المناخية الطبيعية في المناطق القطبية النائية. موجتان بارتفاع مبنى من 60 طابقًا بحسب الدراسة، وقع الحدث في مضيق "ديكسون" الجليدي، أحد المواقع النائية في شرق جرينلاند، حيث اجتاحت المضيق موجتان عملاقتان وصل ارتفاع إحداهما إلى نحو 200 متر، وظلتا تتأرجحان داخله في حركة مستمرة ذهابًا وإيابًا، لتولد ما يُعرف علميًا بظاهرة «التموجات المغلقة» أو Seiches. هذه الحركة غير المعتادة أدت إلى توليد موجات زلزالية التقطتها أجهزة الرصد في شتى أنحاء العالم، من دون أن يُسجّل زلزال تقليدي يفسّر هذه الاهتزازات. ولم تكن هذه الموجات العملاقة مرئية لأي من الأقمار الصناعية التقليدية، نظرًا لضيق المضيق وتعقيد تضاريسه. لكن القمر الصناعي "SWOT"، المجهز بتقنية دقيقة تُعرف ب"KaRIn"، استخدم ذراعين بطول 10 أمتار وهوائيين متقابلين لقياس التغيرات الطفيفة في سطح الماء بدقة تصل إلى 2.5 سنتيمتر، وعلى عرض يصل إلى 50 كيلومترًا. سرّ الهزات الأرضية الطويلة في البداية، أربكت الظاهرة الباحثين بسبب غياب أي نشاط زلزالي يفسّر استمرار الاهتزازات الأرضية لتسعة أيام. لكن تحليل البيانات الزلزالية وصور الأقمار الصناعية قاد العلماء إلى سيناريو محتمل: انهيار أرضي ضخم ناتج عن ذوبان سريع للجليد، سبّبه التغير المناخي، أدى إلى توليد الموجتين العملاقتين داخل المضيق الجليدي. وبالاعتماد على مزيج من البيانات الفضائية، وتحليل الموجات الزلزالية القادمة من آلاف الكيلومترات، وقراءات المد والجزر، تمكّن الباحثون من إعادة بناء الحدث بأدق تفاصيله. المناخ يغيّر شكل الكوكب يقول توماس موناهان، الباحث الرئيسي في الدراسة وطالب الدكتوراه في جامعة أكسفورد: «ما نراه اليوم هو بداية لظواهر طبيعية غير مألوفة تولدها تغيّرات المناخ المتسارعة. هذه الموجات لم نكن لنرصدها من قبل، لولا التقنيات الحديثة في مراقبة سطح الأرض من الفضاء». وأضاف: «المناطق القطبية تعدّ المؤشر الأول على تحولات الكوكب. وإذا لم نكن نراقبها عن قرب، سنفقد فرصة فهم تأثيرات التغير المناخي قبل أن تصل إلى مناطق مأهولة». محطة جديدة في علم المناخ تمثل هذه الدراسة علامة فارقة في علوم المناخ والجيولوجيا، ليس فقط بسبب الظاهرة الفريدة، بل أيضًا بسبب الطريقة المتكاملة التي تم بها توثيقها وتحليلها، من الفضاء إلى باطن الأرض. ويأمل العلماء أن تفتح نتائج هذا الحدث آفاقًا جديدة لفهم العلاقة بين ذوبان الجليد والنشاط الزلزالي، وتعزز من دور الأقمار الصناعية في مراقبة كوكب يتغير بوتيرة أسرع من أي وقت مضى.