توصلت الدولتان النوويتان الهندوباكستان إلى وقف لإطلاق النار في العاشر من مايو الماضى، وذلك نتيجة لوساطة أمريكية، إضافة لاتصالات قامت بها العديد من دول العالم، خشية تأثير الصدام العسكرى بينهما، الذي استمر نحو أربعة أيام على السلم والاستقرار في منطقة جنوب آسيا، بل وعلى السلم والأمن العالميين نتيجة لامتلاك كليهما سلاحا نوويا. وقد بدأ هذا الصدام العسكرى بينهما، نتيجة حدوث عملية إرهابية في في 22 ابريل 2025 في منتجع بهالجم (Pahalgam) داخل إقليم جامو وكشمير الذي تحتله الهند منذ التقسيم الذي حدث عام 1947، وأسفر الهجوم الارهابي عن مقتل نحو 26 من السياح الهندوس واصابة نحو 17 آخرين، وقد أعلن تنظيم يسمى «مقاومة كشمير» مسؤوليته عن الحادث، ثم عاد وتراجع عن هذه المسؤولية، وسارعت الهند باتهام باكستان بأنها ضالعة في هذا الحادث، وألقت بالمسؤولية الكاملة عليها، وأتهمتها بأنها تدعم وتدرب هذه الجماعات الإرهابية، وقد كان رد فعل باكستان بالطبع هو النفى التام. وبداية من يوم 25 أبريل الماضي، بدأ الطرفان تبادل القصف المدفعى حول ما يسمى خط السيطرة (Line of Control)، وهو خط وقف اطلاق النار السابق اقراره حسب اتفاقية شملا (Shimla) الموقعة بينهما في عام 1972 عقب حرب عام 1971، ويفصل إقليم كشميرلجزءين، واستمرت المواجهة نحو أربعة أيام (96 ساعة) أكدت خلالها باكستان إسقاطها خمس طائرات هندية منها نحو ثلاثة رافال، كما ذكرت باكستان إسقاطها نحو 76 طائرة مسيرة بدون طيار صناعة إسرائيلية. ويلاحظ هنا أنه بالرغم من وقف إطلاق النار، الذي تم في العاشر من مايو الماضى إلا أن العلاقات بين البلدين لا تزال متوترة، ويمكن إجمالها في المظاهر التالية: أولًا: اذا كانت المدافع قد توقفت بينهما، إلا أن هناك حربا دبلوماسية وإعلامية لا تزال مستعرة بينهما، فقد ارسل كل منهما وفودا إلى معظم العواصم المؤثرة في العالم، في محاولة لكسب التأييد الدولى لوجهة نظره، فعلى حين تؤكد الهند على دعم باكستان للإرهاب في كشمير مثل جيش محمد، والعسكر الطيبة، وجبهة المقاومة، وتدفع المجتمع الدولى أن يعتبر باكستان دولة راعية للإرهاب، فعلي الجانب الآخر تؤكد باكستان على وجهة نظرها بأن الهند هي من تقوم بدعم حركات الانفصال في إقليم بلوشستان الباكستاني، وأن دعمها لقضية كشمير لا يعني دعمها للإرهاب، كما تتهم باكستانالهند بأن الضربات التي أدعت الهند أنها كانت موجهة ضد معسكرات تدريب ارهابيين ما هي إلا بعض المساجد والأماكن المدنية، وقد راح ضحيتها العديد من المدنيين. وفى ظل هذا التباين الكبير بين الموقفين والحرب الاعلامية والدبلوماسية لا يبدو في المدي القصير أي دلائل على حدوث أي تفاوض بينهما. ثانيًا: لا تزال العقوبات التي فرضها كلاهما ضد بعضهما البعض قائمة، ولم يتم التراجع عنها وهو ما يعني استمرار توتر العلاقات. ثالثًا: لا يزال كلا البلدين يقدم سردية تدعى الانتصار العسكرى على الطرف الآخر وتحقيق أهدافه من هذا الصدام العسكرى، فعلى حين تركز السردية الهندية بأنها ضربت معاقل الارهاب داخل الأراضى الباكستانية، واستطاعت أن تدمر العديد من الأهداف في قواعدها الجوية، وخاصة قاعدة نور خان القريبة من العاصمة إسلام آباد، فإن باكستان تقدم سرديتها على أنها كانت ندًا للهند عسكريا، وأصابت بدورها عدة قواعد جوية هندية ردًا على الضربات الهندية، فضلاً عن إسقاطها خمس طائرات هندية، وأن سلاحها الجوى والصاروخى الذي طورته ذاتيا وبمساعدة الصين، قد أدى عملا عسكريا رائعا وتفوق على الهند، كما تفخر باكستان بالطائرة المقاتلة الباكسانية JF17، كما تشير إلى أن صواريخها نجحت في اختراق العمق الهندى، كما أعلنت إسلام آباد عن الاحتفال بيوم الشكر والحمد على هذا النصر، كما تم ترقية قائد الجيش عاصم منير إلى رتبة المشير. رابعا: تتهم باكستانالهند بأنها تسعى لتغيير الوضع الديموجرافى لسكان جامو وكشمير بالعمل على زيادة أعداد السكان الهندوس في الإقليم، وذلك منذ أن ألغى رئيس وزراء الهند الحالى المادة 370 من الدستور الهندى الذي كانت تمنح الإقليم قدرًا من الحكم الذاتي، كما ألغي المادة 53 أ من ذات الدستور التي كانت تمنع غير الكشميريين من حق الاقامة في الإقليم، كما تركز باكستان دائما على أن قضية كشمير تشبه القضية الفلسطينية، كما أن سياسات رئيس الوزراء الهندي تشبه سياسات نتنياهو. خامسا: شهد هذا الصدام العسكرى بين البلدين تطورا استراتيجيا مهما، وهو تبادل الضربات الصاروخية وبالمسيرات في العمق المدنى لكل منهما، ولم يقتصر كما كان في السابق على منطقة (خط السيطرة) على الحدود بين البلدين، وهو الأمر الذي يعد سابقة لم تحدث بينهما منذ حرب 1971، وينبأ بتكراره رغم مخاطر أي صدام عسكرى جديد بين البلدين النوويين. سادسا: طرأت قضية خلافية خطيرة جديدة بين البلدين نتيجة اعلان نيودلهي عقب حادث بهالجم الغاء إتفاقية مياه الإندوز الموقعة بين البلدين عام 1960، والتي تنظم حقوق كل منهما في نهر الاندوز ومجموعة انهار أخرى، كما تنظم حقوقهما في موضوعات السدود، وانشاء مفوضية للانهار بينهما، وبالرغم من أن هذه الاتفاقية قد استمرت ولم تمس اثناء الحروب الكبرى السابقة بين البلدين، وأهمها حربا 1965، 1971. وقد ردت باكستان بأن الإتفاقية لا يمكن إلغاؤها من الناحية القانونية من طرف واحد، وان أي تاثير أو تعديل متعمد في حقوق باكستان وفق الاتفاقية، هو تهديد من الهند لأمن باكستان القومى ويعد بمثابة إعلان حرب، ولذلك فإن هذا الموقف الهندى قد أضاف بعدا جديدا للتوتر والصدام بينهما، ما لم تتراجع الهند عنه، أو أن يظل مجرد مواقف معلنة دون خطوات عملية على أرض الواقع. وفى ضوء العوامل والتطورات السابقة، ففي تقديري أنه ما لم يتوافق البلدان على التهدئة والتفاوض وحل هذه الخلافات، سواء بضغوط دولية أو أمريكية، فسوف تكون العلاقات بينهما مرشحة مستقبلا للمزيد من التوترات، ولصدام عسكرى جديد خاصة مع أي حادث ارهابى اخر في إقليم كشمير. * مساعد وزير الخارجية سابقًا- سفير مصر لدى باكستان سابقًا- عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية