فى تحوّل لافت يعكس تحسنًا واضحًا فى موازين القطاع المصرفى المصرى، تضاعف صافى الأصول الأجنبية للجهاز المصرفى- البنك المركزى والبنوك- خلال أول شهرين من العام الجارى، محققًا نموًا بنسبة 94٪، ليصل إلى نحو 10.168 مليار دولار بنهاية فبراير 2025، بما يعادل 515.865 مليار جنيه، مقابل 5.2 مليار دولار تعادل 265.9 مليار جنيه بنهاية ديسمبر 2024. هذه الطفرة تثير تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء هذا التحسن اللافت، ومدى ارتباطه بالتطورات الاقتصادية والمالية الأخيرة، سواء على صعيد السياسة النقدية أو تدفقات النقد الأجنبى، وكذلك تأثيراته المحتملة على توافر العملة الصعبة وثقة المستثمرين فى السوق المحلية. وكان صافى الأصول الأجنبية قد حقق فائضًا للمرة الأولى بقيمة تعادل 676.4 مليار جنيه خلال شهر مايو الماضى، مقابل عجز يعادل 174.4 مليار بنهاية أبريل 2024 لتحقق الأصول الأجنبية فائضًا لأول مرة منذ يناير 2022. وصافى الأصول الأجنبية هو الأصول المستحقة للجهاز المصرفى على غير المقيمين مطروحا منها التزاماته تجاه غير المقيمين، ويمثل تغير هذا البند صافى معاملات الجهاز المصرفى (بما فيه البنك المركزي) مع العالم الخارجى، علمًا بأنه تمّ احتساب سعر الدولار عند 50.90 جنيه للدولار فى ديسمبر 2024، و50.73 جنيه فى فبراير 2025، وفقاً لبيانات البنك المركزى. وبالنظر إلى أسباب التحسن فى صافى الأصول الأجنبية لدى القطاع المصرفى، نجد أنه جاء مدفوعاً بارتفاع الأصول الأجنبية، نتيجة زيادة الموارد من العملات الأجنبية والتى تشمل تحويلات المصريين العاملين بالخارج واستثمارات الأجانب فى أدوات الدين الحكومية المصرية، إضافة إلى انخفاض الالتزامات الخارجية للبنوك التجارية. واستمرت تحويلات المصريين العاملين بالخارج، للشهر الحادى عشر على التوالى، فى تحقيق قفزات متتالية عقب الإجراءات الإصلاحية فى مارس 2024، إذ ارتفعت خلال شهر يناير 2025 بمعدل 83.2٪ لتصل إلى نحو 2.9 مليار دولار مقابل نحو 1.6 مليار خلال يناير 2024، وهى تدفقات لم تحدث من قبل خلال شهر يناير من كل عام. كما شهدت التحويلات خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة المالية 2024-2025 (الفترة يوليو- يناير 2024-2025) ارتفاعًا بمعدل 81٪ لتصل إلى نحو 20 مليار دولار مقابل نحو 11 مليار دولار خلال الفترة المناظرة من العام المالى السابق. وارتفعت استثمارات العملاء الأجانب بأذون الخزانة إلى نحو 35.278 مليار دولار بما يعادل 1.774 تريليون جنيه بنهاية يناير 2025، مقابل 31.6 مليار دولار تعادل 1.612 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر 2024. فى هذا الصدد، قال محمد عبدالعال، الخبير المصرفى، إن ارتفاع صافى الأصول الأجنبية للقطاع المصرفى المصرى فى أول شهرين من العام الجارى، يعكس تحسنًا ملحوظًا فى أوضاع النقد الأجنبى بمصر. وأوضح عبد العال، أن الزيادة الكبيرة فى صافى الأصول الأجنبية تعكس بالأساس تحسن مصادر النقد الأجنبى فى الجهاز المصرفى، مشيرًا إلى أن هذا التحسن يتركز فى البنك المركزى المصرى، على عكس المصارف التجارية التى شهدت تراجعًا نسبيًا. وأشار إلى أن البنك المركزى المصرى سجل ارتفاعًا فى معدل أصوله من النقد الأجنبى مقارنة بالالتزامات، وهو ما يرجع إلى تدفقات خارجية قوية، من أبرزها؛ ودائع من الخارج، وتمويلات من صندوق النقد الدولى، وفائض السيولة لدى البنوك التجارية، وحصيلة برنامج الطروحات الحكومية. وأضاف عبدالعال أن هذا الفائض يشير إلى أن نسبة نمو الأصول الأجنبية فاقت نمو الالتزامات، ما يعكس تحسنًا صافيًا فى ميزان النقد الأجنبى لدى الجهاز المصرفى. وتوقّعاستمرار حالة الاستقرار النسبى فى صافى الأصول الأجنبية خلال الفترة المقبلة، فى ظل تحويل بعض الودائع الخليجية من قطر والكويت إلى استثمارات طويلة الأجل، ما يعنى انتقالها من خانة الالتزامات إلى خانة الأصول، وهو ما سيخفف من الضغوط على الالتزامات بالنقد الأجنبى. وفيما يتعلق بتأثير خفض أسعار الفائدة المتوقع خلال 2025، قال عبدالعال إن التأثير سيكون محدودًا على صافى الأصول الأجنبية، مؤكدًا أن خفض الفائدة بنسبة معينة لن يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على تدفقات النقد الأجنبى، سواء فى صورة استثمارات مباشرة أو ما يُعرف ب»الأموال الساخنة." وأشار عبدالعالإلى أن مصر تظل من أكثر الدول الجاذبة للاستثمارات فى أدوات الدين العام، مقارنة بباقى الأسواق الناشئة، نظرًا لما توفره من عائد مرتفع ومخاطر أقل نسبيًا. من جانبه أكد ماجد فهمى، رئيس مجلس الإدارة، العضو المنتدب السابق لبنك التنمية الصناعية، أن الطفرة الكبيرة فى صافى الأصول الأجنبية بالقطاع المصرفى المصرى خلال أول شهرين من عام 2025 جاءت نتيجة زيادة الأصول الأجنبية مقارنة بالالتزامات الخارجية، ما يشير إلى تحسن مؤقت فى ميزان النقد الأجنبى نتيجة تدفقات مالية قوية. أوضح فهمى أن الزيادة تعود إلى تدفّق الاستثمارات الأجنبية قصيرة الأجل "الأموال الساخنة»إلى السوق المصرية، إضافة إلى إتمام عدد من الصفقات الاستثمارية التى ساهمت فى دعم الاحتياطيات الأجنبية. ورغم هذا التحسن، عبّر فهمى، عن قلقه من التحديات المحتملة خلال الأشهر المقبلة، مشيرًا إلى أن جزءًا من الأموال الساخنة خرج من السوق المصريةفى بداية شهر أبريل، بالتزامن مع تغير التصنيف الائتمانى لمصر من نظرة مستقبلية إيجابية إلى مستقرة، وهو ما يُعد أحد العوامل السلبية. وتوقع فهمى أن تشهد الفترة المقبلة تحسنًا فى الوضع الاقتصادى واستقرارًا فى بيئة الاستثمار بما يضمن استمرار التدفقات الأجنبية وتعزيز صافى الأصول الأجنبية بشكل مستدام. فيما قال الخبير المصرفى أحمد أبوالخير، إن القطاع المصرفى المصرى، الذى يشمل كلًا من البنك المركزى والبنوك التجارية، شهد تحسنًا ملحوظًا فى صافى الأصول الأجنبية خلال شهرى يناير وفبراير من عام 2025، مشيرًا إلى أن هذا التحسن يُعد تحولًا نوعيًا مقارنةً بعجز حاد بلغ 29 مليار دولار فى يناير 2024. وأوضح أن ارتفاعصافى الأصول الأجنبية يشكل مؤشرًا إيجابيًا على تحسّن قدرة الاقتصاد المصرى على الوفاء بالتزاماته الخارجية، كما يدعم استقرار الجنيه المصرى ويعزز من الثقة فى السوق النقدى. أشار أبوالخير إلى أن هذا التحسن جاء مدفوعًا بعوامل عدة رئيسية، فى مقدمتهاعودة الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، خاصة فى أدوات الدين الحكومى مثل السندات وأذون الخزانة، ما دعم ميزان المدفوعات وعزز الاستقرار المالى. وأشار إلى أن هذه العوامل تضمنت أيضًا،انتعاش قطاع السياحة نتيجة تحسن الأوضاع الأمنية والحملات الترويجية الفعالة، ما ساهم فى زيادة العوائد من العملة الأجنبية، وارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج، التى تُعد من أهم مصادر النقد الأجنبى، وأسهمت بشكل مباشر فى دعم السيولة بالقطاع المصرفى، واستقرار سعر صرف الجنيه المصرى، الذى عزز ثقة المستثمرين وحدّ من الضغوط التضخمية، وهو ما جعل السوق المصرية أكثر جذبًا لرؤوس الأموال الأجنبية. وأكد أن التحسن فى صافى الأصول الأجنبية لم يكن وليد المصادفة، بل جاء نتيجة تطبيق سياسات نقدية ومالية صارمة من قبل الحكومة المصرية والبنك المركزى، أبرزها رفع كفاءة إدارة الاحتياطيات الأجنبية، وتطبيق إصلاحات لتحسين البيئة الاستثمارية، وضبط معدلات التضخم، وتعزيز جاذبية السوق المالية. وتوقّع استمرار التحسن فى صافى الأصول الأجنبية خلال الأشهر المقبلة، بدعم منمواصلة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، وتعافى القطاعات الاقتصادية الحيوية، والحفاظ على استقرار سعر الصرف، وانخفاض تدريجى فى معدلات التضخم. وأكد أبوالخير أن استمرار هذه العوامل سيُسهم فى تعزيز الثقة فى الاقتصاد المصرى، وتقوية موقف القطاع المصرفى فى مواجهة التحديات الخارجية، مشيرًا إلى أن استدامة هذا الاتجاه تتطلب سياسات اقتصادية متوازنة واستمرار دعم القطاعات الإنتاجية.