أصدر الأزهر الشريف بيانًا قويًا وحاسمًا ردًا على تصريحات الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، التي أدلى بها في برنامج «الحكاية» مع الإعلامي عمرو أديب، حيث دعا «الهلالي» إلى المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث واقترح إمكانية تغيير أحكامها عبر استفتاء شعبي. جاء بيان الأزهر الحاسم، ليؤكد على قدسية النصوص القرآنية المتعلقة بالميراث، ويرفض أي محاولة للتشكيك فيها أو تغييرها، معتبرًا مثل هذه الدعوات «افتئاتًا على الشرع» و«جريمة فكرية» تهدد استقرار المجتمع. وقد تَولَّى الله عز وجل، تقسيم المواريث في القرآن الكريم؛ وفقا ل بيان الأزهر نظرًا لأهميته، وعِظَم خطره، وإزالةً لأسباب النِّزاع والشِّقاق، لكن صنع «قانون فردي» من قبل بعض الأفراد يُعد افتئاتٌ على ولي الأمر، وإعادةُ إنتاجٍ للفكر التكفيري المنحرف، كما إن تجديدُ الفكر الإسلامي لا يكون عبر الشاشات أو بين غير المتخصصين. صدمةُ الجمهور في تصريحات «الهلالي» ترجع بإقامة استدلالات غير صحيحة على تحريم حلال أو تحليل حرام؛ جريمة فكرية تهدد الاستقرار المجتمعي والجريمة الأكبر في نسبةُ المعاناة والإشكالات المُجتمعية إلى تعاليم الدين ونُصوصه؛ وهذا نذير خطر يؤذن بتطرف بغيض وفقا لبيان الأزهر. هذه التصريحات لم تكن الأولى من نوعها للهلالي، الذي اشتهر بآرائه الجريئة التي غالبًا ما تصطدم مع الإجماع الفقهي. لكن هذه المرة، كانت الضربة موجهة إلى قلب قضية حساسة، إذ إن الميراث في الإسلام ليس مجرد توزيع مالي، بل نظام إلهي محكم يعكس العدل الرباني، فكيف رد الأزهر على هذه الادعاءات؟ وكيف فند دعاوى الهلالي واحدة تلو الأخرى؟ «المصري اليوم» تتناول 7 نقاط جوهرية أثارها «الهلالي» عبر البرنامج بقراءة وافية وتحليل للبيان الرسمي الصادر عبر «مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية» ردا على هذه التصريحات، مع توضيح أبرز النقاط الواردة في البيان. 1. نصوص الميراث قطعية لا تقبل التغيير أو الاجتهاد زعم سعد الدين الهلالي أن الميراث مسألة «حقوق» وليس واجبات دينية مثل الصلاة، وأن توزيعه يمكن أن يخضع للاجتهاد أو التغيير عبر استفتاء شعبي، مستشهدًا بتجربة تونس في المساواة بالميراث. الأزهر أكد أن نصوص الميراث في القرآن الكريم، وبالأخص آيات سورة النساء (الآيات 11، 12، 176)، هي نصوص قطعية الثبوت والدلالة، لا تقبل التغيير أو الاجتهاد. كما أن الآية القرآنية الكريمة «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين» (النساء: 11) تمثل أمرًا إلهيًا ملزمًا، وليست مجرد توصية قابلة للتأويل. واعتبر الأزهر دعوة الهلالي لتغيير هذه الأحكام محاولة ل«صنع تدين شخصي»، واصفًا إياها بأنها «افتئات على الشرع» لأنها تتحدى النصوص الإلهية الصريحة. البيان شدد أيضًا على أن الاجتهاد مشروع في المسائل الظنية فقط، أما الميراث فهو من الثوابت التي لا يجوز المساس بها. تخالف إجماع العلماء ادعاء الهلالي بقابلية أحكام الميراث للاجتهاد تتعارض مع إجماع العلماء على أن هذه الأحكام قطعية الثبوت والدلالة كما بيّن الإمام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» أن نصوص الميراث في سورة النساء «يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ» (الآيات 11-12- 176) هي نصوص قطعية الثبوت والدلالة وواضحة لا تحتمل التأويل، وأي اجتهاد يخالفها يُعد خروجًا عن الشرع. الإمام الشافعي في «الرسالة» أكد أن الاجتهاد جائز في المسائل الظنية، لكن الميراث منصوص عليه بنصٍ صريح، فلا مجال لتغيير فروضه أو حصصه. الإمام ابن القيم في «إعلام الموقعين» شدد على أن الإجماع على هذه الأحكام يجعل الخروج عنها بدعة، لأنها تستند إلى القرآن والسنة. محاولة الهلالي إعادة التفسير تفتقر إلى سند فقهي، إذ لم يستند إلى قواعد أصولية متفق عليها، مما يجعلها، كما قال الإمام الغزالي في «المستصفى»، خروجًا عن المنهج الشرعي الذي يحفظ النصوص وإجماع الأمة. هذا الطرح قد يُسبب فتنة، كما حذّر النووي في «شرح مسلم» من التشكيك في الأحكام المحكمة، مما يُضعف استقرار الشريعة. 2. «تقسيم إلهي» للمواريث لأهميتها وإزالة النزاع اقترح الهلالي أن الشعب يمكن أن يقرر توزيع الميراث بما يراه مناسبًا، معتبرًا أن التوزيع الحالي قد لا يتماشى مع تطور المجتمعات. الأزهر أوضح أن الله عز وجل تولى بنفسه تقسيم المواريث في القرآن الكريم، نظرًا لأهميتها العظيمة وخطورتها كمسألة تتعلق بالعدل بين أفراد الأسرة. هذا التقسيم الإلهي جاء لإزالة أسباب النزاع والشقاق بين الورثة، ولضمان توزيع عادل يراعي الفروق في الأدوار والمسؤوليات بين الرجل والمرأة. البيان أشار إلى أن تدخل البشر في تغيير هذا النظام الإلهي يناقض الحكمة الربانية ويعرض المجتمع للفوضى والصراعات. إرادة البشر يمكن أن تتجاوز إرادة الله دعوة الهلالي لاستفتاء شعبي تنطوي على مغالطة خطيرة، كما أشار كبار العلماء، لأنها تفترض أن إرادة البشر يمكن أن تتجاوز إرادة الله الواردة في نصوص قطعية مثل آية «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين» (النساء: 11). هذه الدعوة لا تتعارض فقط مع النصوص القرآنية، بل تهدد أيضًا بزعزعة الإجماع الفقهي الذي استقر عبر القرون. كبار العلماء أكدوا أن الميراث ليس مجرد مسألة مالية، بل نظام إلهي يحقق العدل بين أفراد الأسرة، مع مراعاة الفروق في المسؤوليات الاجتماعية والاقتصادية بين الرجل والمرأة. 3. صنع قانون فردي «افتئات» على ولي الأمر وإعادة ل«الفكر التكفيري» دعا الهلالي إلى إمكانية إقرار قانون جديد للميراث يحقق المساواة، معتبرًا أن الشعب له الحق في تحديد القوانين التي تناسبه. الأزهر وصف هذه الدعوة بأنها «صنع قانون فردي»، واعتبرها افتئاتًا على سلطة ولي الأمر، الذي يمثل الجهة الشرعية المخولة بإصدار القوانين في إطار الشريعة. كما حذر البيان من أن مثل هذه الدعوات تمثل «إعادة إنتاج للفكر التكفيري المنحرف»، لأنها تشكك في النصوص الشرعية وتفتح الباب أمام التطرف الفكري الذي يرفض الثوابت الدينية. 4. تجديد علوم الإسلام لا يكون عبر الشاشات قدم الهلالي آراءه عبر منصة إعلامية شعبية، مما أثار جدلًا واسعًا بين الجمهور غير المتخصص. الأزهر انتقد طرح مثل هذه القضايا الحساسة على الشاشات وأمام غير المتخصصين، مؤكدًا أن تجديد علوم الإسلام عملية علمية دقيقة تتطلب مناقشات في المحافل الأكاديمية والشرعية، وليس عبر برامج إعلامية تسعى للإثارة. البيان شدد على أن مثل هذه المنصات قد تُستغل لنشر أفكار مضللة تثير البلبلة بين الناس. 5. صدمة الجمهور باستدلالات غير صحيحة «جريمة فكرية» استند الهلالي إلى تفسيرات شخصية لآية الميراث، زاعمًا أنها تحتمل وجهين للتفسير، مما أثار صدمة الجمهور. الأزهر وصف هذه الاستدلالات بأنها «غير صحيحة»، معتبرًا أن صدمة الجمهور بمثل هذه الآراء تمثل «جريمة فكرية» تهدد الاستقرار المجتمعي. البيان أوضح أن التشكيك في النصوص القرآنية الصريحة أو تقديم تفسيرات مغلوطة لها يؤدي إلى زعزعة ثقة الناس في الدين ويثير الفتنة. الهلالي، بمحاولته إعادة تفسير آية الميراث، قدم استدلالات ضعيفة تخالف الإجماع الفقهي، مما جعلها تبدو وكأنها محاولة لتبرير رأي شخصي وليست اجتهادًا علميًا. لماذا رفض كبار العلماء إعادة تفسير آيات المواريث؟ أجمع كبار العلماء في «مجموع الفتاوى» أن آية الميراث ليست مجرد نص قانوني، بل هي جزء من نظام إلهي محكم يهدف إلى تحقيق العدل والاستقرار الاجتماعي. الآية القرآنية الصريحة جاءت في سياق تفصيلي يحدد أنصبة الورثة بدقة، مما يجعلها من المحكمات التي لا تقبل التأويل، لكن محاولة الهلالي إعادة تفسيرها تحت ذريعة التجديد أو التطور الثقافي تثير عدة مخاطر، كما حذر كبار العلماء من زعزعة الثقة في النصوص القرآنية: التشكيك في النصوص القطعية قد يفتح الباب أمام التشكيك في غيرها من الأحكام الشرعية وإثارة الفتنة: طرح مثل هذه الآراء على المنصات الإعلامية يثير البلبلة بين العامة، كما انتقدت هيئة كبار العلماء وتقويض الإجماع الفقهي: الخروج عن الإجماع في مسائل قطعية يهدد وحدة الأمة واستقرارها الديني. 6. نسبة المعاناة المجتمعية إلى تعاليم الدين «جريمة كبرى» ربط الهلالي بين التوزيع التقليدي للميراث وبعض الإشكالات الاجتماعية، مشيرًا إلى أن تغيير هذا التوزيع قد يحل هذه المشكلات. الأزهر اعتبر أن نسبة المعاناة والإشكالات المجتمعية إلى تعاليم الدين ونصوصه «جريمة كبرى» و«نذير خطر» يمهد للتطرف البغيض. البيان أكد أن النصوص القرآنية جاءت لتحقيق العدل والاستقرار، وأن أي مشكلات اجتماعية يجب معالجتها في إطار الشريعة وليس بالتشكيك فيها. الهلالي حاول إلقاء اللوم على النصوص الشرعية في بعض التحديات الاجتماعية، متجاهلًا أن المشكلات قد تنجم عن سوء التطبيق أو ظروف اقتصادية واجتماعية، وليس عن النصوص ذاتها. 7. كتابة الأموال للبنات.. باطل وردًا على تصريحات الهلالي، بجواز كتابة الأموال للبنات في حالة عدم وجود الأولاد، قال الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر السابق، والأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إن الإنسان يمكنه كتابة أمواله لبناته حتى لا ينازعهن أعمامهن «إخوة الميت» باطل لا دليل عليه. وأشار شومان إلى أن قسمة الميراث حق مغالطة، فهي حق في جهة الورثة، يمكن للوارث وحدهم التنازل عنه أو بعضه، أما تمكينهم من أنصبتهم كما وردت في كتاب الله ففرض بنص كتاب الله ليس من حق أحد تغييره، موضحًا تفسير قوله تعالى: «يُوصِيكُمُ 0للَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ 0لأُنْثَيَيْن فَرِيضَةً مِّنَ 0للَّهِ» أن قسمة الميراث بالكيفية المذكورة فريضة لا يملك بشر تغييرها، ويحق لصاحب الفرض دون سواه التنازل عنه أو بعضه كالديون. في الشريعة الإسلامية، نظام الميراث محكوم بنصوص قرآنية قطعية الثبوت والدلالة، كما ورد في سورة النساء (الآيات 11، 12، 176)، التي تحدد أنصبة الورثة بدقة وإذا أراد الأب أن «يكتب ميراثه كله» لبناته، فهذا يعني إما أنه يقصد الوصية أو الهبة في حياته، لأن الميراث يُقسم بعد الوفاة وفق الأنصبة الشرعية ولا يخضع لإرادة الأب. تصريحات الهلالي تعكس محاولة لتقديم نفسه كمجدد فقهي، لكنها تفتقر إلى الأسس العلمية والشرعية اللازمة وجاء بيان الأزهر الشريف كسياج متين يحمي النصوص القرآنية من محاولات التشكيك أو التغيير، مؤكدًا أن الميراث نظام إلهي محكم لا يجوز الاقتراب منه بذريعة التجديد أو التطور. رد الأزهر لم يكن مجرد دفاع عن حكم شرعي، بل رسالة واضحة بأن ثوابت الدين خط أحمر، وأن أي محاولة لصنع «تدين شخصي» أو «قانون فردي» ستواجه بحزم وحسم.