ترأس الدكتور محمد عثمان الخشت، المفكر الإسلامي ورئيس جامعة القاهرة السابق، جلسة بعنوان: «المواطنة في الواقع المعاصر.. جدل التأصيل والتحديث»، وذلك ضمن فعاليات مؤتمر المواطنة والهوية وقيم العيش المشترك، الذي نظمته جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية بأبوظبي. ووفق بيان، حضر الفعالية، عبدالله بن بيه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، والمفكر الإماراتي الدكتور خليفة الظاهري مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، وعدد من العلماء والمفكرين وقادة المؤسسات من جميع أنحاء العالم. ومن أبرز حضور الجلسة الدكتور نظير عياد مفتي الديار المصرية والذي أجرى مداخلة في نهاية المحاضرة، كما شهدت الجلسة الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية السابق، والدكتور سامي الشريف أمين عام رابطة الجامعات الإسلامية، والشيخ راشد بن محمد الهاجري، رئيس مجلس الأوقاف السنية بمملكة البحرين وعدد من عمداء وأساتذة الجامعات. وقدم الدكتور محمد الخشت، ورقة بحثية تناولت أزمة الفكر العربي المعاصر في التعامل مع الثنائيات الفكرية العميقة وأثرها على تشكيل الهوية والتعايش في المجتمعات العربية. وأشار الخشت إلى أن الفكر العربي يواجه مأزقًا بنيويًا يتمثل في عجزه عن تجاوز ثنائيات راسخة مثل: التراث والحداثة، العقل والنقل، الديني والدنيوي، الهوية والكونية، الأصالة والمعاصرة، موضحًا أن هذه الثنائيات لم تعد مجرد قضايا نظرية، بل تحولت إلى انقسامات حادة في المرجعيات الفكرية، تعيق بناء عقل فلسفي جديد قادر على التفاعل مع تحديات العصر. وقدم طرحًا جديدًا يقوم على تجاوز هذه الثنائيات الصراعية عبر تأسيس مشروع فكري متجدد يعيد بناء المرجعية الفكرية والدينية على أسس عقلانية وإنسانية وأخلاقية، داعيًا إلى تفعيل العقل النقدي في التعامل مع التراث، مؤكدًا أن الفكر العربي لن يتجاوز أزماته ما لم يخرج نفسه من أسر الثنائيات ويؤسس عقلًا جديدا مركبًا ينهض على الفهم الإنساني، ويؤسس لعصر ديني جديد منفتح، عقلاني، وتعددي. وتابع: أن هذا التحول يستلهم مفهوم «التجاوز الدياليكتيكي التفاعلي»، حيث لا يعني النفي الكلي والإلغاء التام كما لا يعني التوفيق، بل إعادة صهر العناصر الأساسية بين النقيضين في مركب وشكل جديد أكثر شمولًا يتجاوز الاستقطابات التقليدية، مع التمييز الواضح بين المقدس والبشري، وبين الديني والمذهبي، وتحرير النصوص من سلطة التفسير الجامد. وطرح، خمس مرتكزات عقلانية رئيسية لتحديث المرجعية الدينية والفكرية وهي: التمييز بين المقدس والبشري، والفصل بين الديني والمذهبي، والعودة إلى جوهر النصوص التأسيسية، وتحرير الإنسان من سلطة النقل الجامد، وإعادة بناء المرجعيات على أسس إنسانية وتاريخية. وقدم تصنيفًا لأنماط المرجعيات السائدة في الفكر العربي، مؤكدًا أن الفكر العربي لن يتقدم ما دمنا نعيد إنتاج نفس الثنائيات الفكرية، مشددًا على أهمية النمط الجدلي التجاوزي الذي يتجاوز الثنائيات ليؤسس لمرجعية جديدة أكثر قدرة على التفاعل مع واقع التنوع والتعدد، وعلى بناء مجتمعات مدنية تحترم الحريات وتنبذ الاستبداد. وأكد الدكتور الخشت أن تجاوز الفكر العربي لأزماته يتطلب إعادة بناء بنيته المرجعية، وإرساء منهج نقدي جديد ينفتح على الإنسان والتاريخ ويمهد لعصر ديني جديد يقوم على العقلانية، والانفتاح، والتعددية، بما يضمن رسوخ الدولة الوطنية وتعزيز قيم المواطنة والعيش المشترك في العالم العربي. من جهته، قدم الدكتور نظير عياد مفتي الديار المصرية، مداخلة نقاشية ثرية في ختام الجلسة، قدم فيها الشكر للدكتور محمد الخشت. وقال عياد: إن فكرة الثنائية التي طرحها صحيحة مئة بالمئة، مشيرًا إلى أن التعامل مع التراث بكل ما يحمله ينبغي أن ينظر إليه في سياقه وموضعه ووقت كتابته ووفق الظروف والأحداث سيما وأن هذا التراث يحمل بداخله الكثير والكثير، مؤكدًا ضرورة التفريق بين الدين كوحي أوحى الله تعالى به، وبين المنتسبين إليه، فمن الخطأ والظلم أن نحكم على الدين بسلوك بعض المنتسبين إليه، وهو ما يأتي اتفاقا مع ما سبق أن أكد عليه الدكتور الخشت في كتابه «نحو تأسيس عصر ديني جديد» في الفصل الخامس تحت عنوان «تجديد المسلمين لا الإسلام».