قصص حقيقية أغرب من خيال مؤلف مسلسل «لام شمسية»: كلنا الطفل يوسف

في الوقت الذي انتهت فيه إحدى حلقات مسلسل «لام شمسية» بمشهد صادم، حيث جلس الطفل يوسف مرتعدًا في زاوية غرفته بعد أن كشف أخيرًا عن تعرضه للتحرش، كانت إحدى محاكم الجنايات في القاهرة تسدل الستار على واقعة حقيقية أشد قسوة، بإصدار حكمها في قضية هزت الرأي العام.
في قاعة المحكمة، وقف عامل مصعد في مدرسة بالمعادي ليواجه حكمًا بالسجن المشدد 15 عامًا، بعد ثبوت تورطه في هتك عرض خمس طالبات صغيرات داخل دورة مياه المدرسة. الجريمة التي عُرضت تفاصيلها في القضية، لم تكن بعيدة عن أحداث المسلسل، فكلاهما يعكس حقيقة أن الأطفال في بعض الأحيان يكونون ضحايا داخل الأماكن التي يُفترض أن تكون آمنة
أرقام صادمة في جرائم التحرش بالأطفال
«يوسف» في مسلسل «لام شمسية» ليس شخصية خيالية، بل رمزًا لعشرات القصص الحقيقية التي لا تجد من يرويها، وقضية التحرش بالأطفال التي يحاول المجتمع تجاهلها جاءت الدراما لتضعها أمام الجميع بلا مواربة، سجلت النيابة العامة المصرية أكثر من 230 قضية تحرش بالأطفال خلال العام الماضي فقط، لكن هذا الرقم ليس إلا جزءًا من الحقيقة، لأن معظم الحالات لا يتم الإبلاغ عنها بسبب الخوف أو العار المجتمعي.
وبحسب تقارير حقوقية، فإن 68% من حالات التحرش بالأطفال تحدث على يد شخص يعرفه الضحية، سواء كان قريبًا أو صديقًا للعائلة أو معلمًا أو حتى جارًا، هذا ما جعل المسلسل يضرب على وتر حساس، حيث لم يصوّر المعتدي كمجرم غريب يترصد الأطفال في الشوارع، بل كشخص مألوف، موجود داخل الدائرة الآمنة للضحية.
نورا وكريم وياسمين.. ضحايا التحرش
نورا، طفلة لم تتجاوز العاشرة من عمرها، لم تكن تخشى شيئًا أكثر من الظلام، لكن بعد ما تعرضت له، صار الخوف يلازمها في كل مكان، وفي مدرستها الخاصة بمدينة نصر، كان عامل النظافة ينتظر الفرصة المناسبة لاستدراجها، وبحجة مساعدتها في حمل كتبها الثقيلة، دفعها إلى غرفة المعدات وأغلق الباب ليبدأ كابوسها. تمامًا كما حدث في «لام شمسية»، حيث استغل الجاني وظيفته وثقة الضحية لتنفيذ جريمته، اعتقد المعتدي أن نورا ستظل صامتة، لكنها أخبرت والدتها بعد تكرار محاولاته، مما أدى إلى القبض عليه.
قصة كريم لم تكن مختلفة كثيرًا، طفل في الثانية عشرة من عمره ظل يعاني من كوابيس متكررة لأشهر بعد تعرضه للتحرش من قبل مدرس الرياضيات أثناء حصة تقوية، الجاني هدده قائلًا: «إذا أخبرت أحدًا، لن يصدقك أحد»، وهي نفس الجملة التي قالها «وسام» في المسلسل للطفل يوسف. هذا التهديد النفسي يجعل معظم الضحايا يلتزمون الصمت، إذ تشير الإحصاءات إلى أن 72% من الأطفال الذين يتعرضون للتحرش لا يفصحون عن ذلك أبدًا.
لكن أكثر القصص إيلامًا كانت قصة ياسمين، الطفلة ذات 9 سنوات التي لم يكن المعتدي عليها غريبًا، بل عمها الذي يفترض أنه يحميها. وفقًا للإحصائيات، فإن 43% من جرائم التحرش بالأطفال يكون الجاني فيها أحد أفراد العائلة أو صديقًا مقربًا. هذا النوع من الجرائم هو الأصعب كشفًا، لأن الضحية غالبًا ما تكون محاصرة بالخوف من العار أو من تهديدات الجاني.
تحقيقات ميدانية داخل ثلاث مدارس حكومية في القاهرة كشفت عن غياب شبه تام للرقابة داخل دورات المياه والمخازن والساحات الخلفية، وهي الأماكن التي تُرتكب فيها معظم هذه الجرائم. كما أظهرت التحقيقات أن معظم المدارس تكتفي بوضع لافتات تحمل عبارات مثل «ممنوع التحرش»، لكنها لا تقدم برامج توعية حقيقية للأطفال حول كيفية التصرف إذا تعرضوا لموقف مشابه. سبعة من كل عشرة أطفال لا يبلغون عن التحرش بسبب الخوف، في حين أن 62% من الأمهات يفضلن الصمت خوفًا من «الفضيحة».
حين يصبح الجاني قريبًا.. الوجه الخفي للمتحرشين
الأرقام الصادمة ليست مجرد إحصاءات، بل تعكس واقعًا يتطلب مواجهة حقيقية. بعد عرض «لام شمسية»، ارتفعت بلاغات التحرش بالأطفال بنسبة 140% خلال شهر واحد، مما يكشف حجم القضايا التي كانت مطموسة تحت غطاء الصمت. كما تم إطلاق خط ساخن جديد تلقى 3200 اتصال في أسابيع قليلة، وأثيرت نقاشات في البرلمان حول ضرورة تشديد العقوبات على المتحرشين بالأطفال، مع مطالبات بإنشاء سجل وطني للمعتدين لمنعهم من العمل في أي مجال له علاقة بالأطفال.
الأمهات أيضًا بدأن في تغيير سلوكهن. دراسة حديثة أظهرت أن 67% من الأمهات بدأن في الحديث مع أطفالهن عن التحرش وكيفية حماية أنفسهم، وهو تطور مهم في مجتمع اعتاد تجنب مناقشة هذه الأمور. كما انتشرت في بعض المدارس قاعدة «اللمسة الآمنة»، والتي تعلم الأطفال الفرق بين اللمسات المقبولة وغير المقبولة، وهو ما يمكن أن يشكل خطوة أولى في حمايتهم.
لكن رغم كل هذه الجهود، لا يزال هناك الكثير مما يجب فعله. العقوبات الحالية تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات في حالات التحرش، بينما تصل إلى عشر سنوات أو المؤبد في حالات هتك العرض، لكن المشكلة ليست في العقوبة فقط، بل في تطبيقها ومدى قدرة الضحايا على الوصول إلى العدالة دون التعرض لضغوط اجتماعية تمنعهم من التبليغ.
الفن من خلال مسلسل «لام شمسية» لم يكن وسيلة للترفيه، بل تحول إلى نافذة للتغيير، كما قال مخرج العمل، كريم الشناوي: «لم نسعَ إلى الإثارة، بل لإيقاظ الضمير». المسلسل لم يترك المشاهدين في منطقة الراحة، بل جعلهم يواجهون حقيقة قد تحدث في أي مكان حولهم.
موعد عرض مسلسل لام شمسية
يعرض مسلسل «لام شمسية» خلال الموسم الرمضاني لعام 2025، يوميًا الساعة التاسعة مساءً على قناة DMC، مع إعادتها عدة مرات خلال اليوم، إلى جانب توفره على منصات العرض الرقمية.