سعر الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 3-6-2025 مع بداية التعاملات    بعد هبوطه في 7 بنوك.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه الثلاثاء 3-6-2025    محافظ سوهاج يتفقد شارع «أسيوط- سوهاج» بعد الانتهاء من أعمال التطوير والتجميل    الإيجار القديم.. النائب أحمد السجيني يطالب بمكتسبات فورية للملاك بتسليم التجاري والمغلق    ترامب: لن نسمح لإيران بأي تخصيب لليورانيوم    من ماكرون إلى وزير خارجية إيران، سر تهافت الزعماء والمسؤولين على مطعم ومقهى نجيب محفوظ بالحسين (صور)    البيت الأبيض: اتصال محتمل بين الرئيس الأمريكي ونظيره الصيني هذا الأسبوع    «مقدرش احتفل قدام الزمالك».. رسائل خاصة من مصطفى فتحي قبل نهائي كأس مصر    «كل حاجة هتبان».. هاني سعيد يرد على رحيل إدارة بيراميدز والدمج مع مانشستر سيتي    77 ألف طالب بالشهادة الإعدادية يؤدون اليوم امتحانات الهندسة والكمبيوتر في 239 لجنة    48 ساعة فارقة.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس يوم عرفة وعيد الأضحى (تفاصيل)    لماذا فشل مقترح عقد امتحانات الثانوية العامة ب الجامعات؟.. التعليم تجيب    بالمساعد الذكي.. نتيجة صفوف النقل ل المرحلة الابتدائية ب الجيزة (البوابة الرسمية)    تامر حسني ونجله يتصدران التريند بعد تعرضهما ل وعكة صحية.. والجمهور يتفاعل    أحمد السقا يحتفل بتخرج ابنته نادية ويوجه لها رسالة (صورة)    الحج 2025.. هل يجوز للمحرم إزالة شيء من شعره أو أظفاره أثناء إحرامه    أوربان: بروكسل قررت أن على أوكرانيا مواصلة النزاع    وزير المالية: برنامج جديد لدعم الصادرات ب45 مليار جنيه.. وزيادة 93% في المخصصات    موعد مباراة الترجي وفلامنجو في كأس العالم للأندية والقنوات الناقلة    مديرية الطب البيطري بالوادي الجديد تطرح لحومًا بلدية ب280 جنيها للكيلو    زلزال بقوة 6.2 ريختر يضرب الحدود التركية.. والمصريون يشعرون به للمرة الثالثة في شهر    تعليم الوادي الجديد: 1400 طالب مستفيد يوميًا من المراجعات بالمساجد    لقطات من حفل زفاف سيد نيمار لاعب الزمالك    زلزال بقوة 6.6 على مقياس ريختر يضرب جزيرة رودس اليونانية    صرف 11 مليون جنيه منحة ل 7359 عامل في الوادي الجديد    الجارديان: استهداف المدارس المستخدمة كملاجئ في غزة "جزء من استراتيجية قصف متعمدة"    أحفاد نوال الدجوي يبدأون مفاوضات الصلح وتسوية خلافات الميراث والدعاوى القضائية    بدء التصويت في الانتخابات الرئاسية بكوريا الجنوبية    وسط تحذيرات صهيونية من دخولها . اعتقالات تطال مهجّري شمال سيناء المقيمين بالإسماعيلية بعد توقيف 4 من العريش    الكشف عن حكام نهائي كأس مصر بين الزمالك وبيراميدز    محامي نوال الدجوي يكشف وصية سرية من نجلتها الراحلة منى    أهم الأعمال المستحبة في العشر الأواخر من ذي الحجة    مستقبل وطن بالأقصر يُنظم معرض «أنتِ عظيمة» لدعم الحرف اليدوية والصناعة المحلية    مصطفى فتحي: يورتشيتش عوض غياب الجماهير.. وطريقة الحكام تغيرت معي بانضمامي لبيراميدز    سقوط «نملة» بحوزته سلاح آلي وكمية من المخدرات بأسوان    التعليم: زيادة أفراد الأمن وعناصر إدارية على أبواب لجان الثانوية العامة لمنع الغش    مجلس الاتحاد السكندري يرفض استقالة مصيلحي    بمشاركة 500 صيدلي.. محافظ قنا يشهد افتتاح مؤتمر صيادلة جنوب الصعيد الأول    بسبب لحن أغنية.. بلاغ من ملحن شهير ضد حسين الجسمي    رحمة محسن: اشتغلت على عربية شاي وقهوة وأنا وأحمد العوضي وشنا حلو على بعض    "أوقاف سوهاج" تطلق حملة توعوية لتقويم السلوكيات السلبية المصاحبة للأعياد    عنايات صالح: برفض تقديم الأدوار الجريئة عشان والدي شيخ جامع    لاند روفر ديفندر 2026 تحصل على أضواء مُحسّنة وشاشة أكبر    1400 طالب يوميًا يستفيدون من دروس التقوية في مساجد الوادي الجديد    عاشور يهنئ فلوريان أشرف لفوزها بجائزة أفضل دكتوراه في الصيدلة من جامعات باريس    قرار من رئيس جامعة القاهرة بشأن الحالة الإنشائية للأبنية التعليمية    طريقة عمل شاورما اللحم، أكلة لذيذة وسريعة التحضير    تزوج فنانة شهيرة ويخشى الإنجاب.. 18 معلومة عن طارق صبري بعد ارتباط اسمه ب مها الصغير    حين يتعطر البيت.. شاهد تطيب الكعبة في مشاهد روحانية    سعد الهلالي: كل الأضحية حق للمضحي.. ولا يوجد مذهب ينص على توزيعها 3 أثلاث    أسطورة ميلان: الأهلي سيصنع الفارق بالمونديال.. وما فعله صلاح خارقًا    الكشف عن تمثال أسمهان بدار الأوبرا بحضور سلاف فواخرجي    وزارة الإنتاج الحربي تنظم ندوات توعوية للعاملين بالشركات    القومي للبحوث يقدم نصائح مهمة لكيفية تناول لحوم العيد بشكل صحي    رئيس الشيوخ يهنئ الرئيس والشعب المصري بحلول عيد الأضحى المبارك    الرئيس السيسى يستقبل مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو الماضي    هيئة الشراء الموحد: إطلاق منظومة ذكية لتتبع الدواء من الإنتاج للاستهلاك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. رشا مصطفى عوض تكتب: صعود قياسى: التأثيرات الاقتصادية لأجندة «ترامب» للعملات المشفرة فى آسيا
نشر في المصري اليوم يوم 14 - 12 - 2024

يقول الفيلسوف الأمريكى إريك هوفر (Eric Hoffer) إن الطريقة الوحيدة للتنبؤ بالمستقبل هى امتلاك القدرة على تشكيله. ينطبق الأمر نفسه على مستقبل العملات المشفرة فى آسيا، التى تواجه اليوم نقطة تحول تاريخية بعد إعلان الرئيس المُنتخَب دونالد ترامب عن رؤيته لتحويل الولايات المتحدة الأمريكية إلى «عاصمة الكوكب للعملات المشفرة».
يعيد هذا التوجه تشكيل المشهد المالى العالمى، مدعومًا بالارتفاعات القياسية الأخيرة فى أسعار العملات المشفرة؛ فقد شهدت عملة البيتكوين ارتفاعا ملحوظا بنسبة 40٪ منذ الانتخابات الأمريكية فى 5 نوفمبر 2024 وحتى يوم 22 من الشهر نفسه، لتقترب من عتبة 100 ألف دولار أمريكى، بعد أن كانت قيمتها 43607 دولارات أمريكية فقط فى بداية العام.
فى هذا السياق، يُبرِز تقرير «جغرافيا العملات المشفرة لعام 2024» الصادر عن مؤسسة «تشيناليسيس»، الأهمية المتزايدة لآسيا فى النظام البيئى العالمى للعملات المشفرة؛ حيث استحوذت منطقة آسيا وأوقيانوسيا على 25.5٪ من تدفقات الأصول المشفرة العالمية خلال الفترة (يوليو 2023- يونيو 2024)، بما يعادل 1.15 تريليون دولار أمريكى، مقارنةً بنحو 22.5٪ فقط لأمريكا الشمالية (الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبرمودا)، بواقع 1.3 تريليون دولار أمريكى.
وبينما احتلت الولايات المتحدة المرتبة الأولى عالميا من حيث قيمة المعاملات على العملات المشفرة على أراضيها خلال نفس الفترة؛ فقد جاءت الهند فى المرتبة الخامسة مع تصدرها مؤشر «تبنى العملات المشفرة» عالميا. ويعكس هذا المؤشر قوة معاملات التجزئة التى يقودها الأفراد والمهنيون.
يطرح هذا التحول تساؤلات جوهرية حول أبرز التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب على الدول الآسيوية التى عززت خلال السنوات الماضية مكانتها كقائد فى النظام البيئى العالمى للعملات المشفرة، خاصةً الهند التى تقود مؤشر التبنى الشعبى، وكوريا الجنوبية التى تُعد أكبر سوق تداول فى شرق آسيا، حيث دفعت قلة الثقة بالأنظمة المالية التقليدية المستثمرين نحو العملات المشفرة كأصول بديلة.
أولاً: آسيا تحت ضغط الهيمنة الأمريكية:
تُعد تدفقات رأس المال بمثابة شريان الحياة للابتكار؛ ومن ثم فإن السيطرة عليها تعنى السيطرة على المستقبل. تُجسِّد سياسات ترامب المؤيدة للبيتكوين تحولًا كبيرًا فى ديناميكيات الاستثمار المؤسسى العالمى، إذ تهدف إلى جعل الولايات المتحدة الأمريكية الوجهة الأولى للاستثمارات فى العملات المشفرة. هذا التوجه يفرض تحديات مباشرة على مكانة آسيا التى طالما كانت رائدة فى هذه السوق؛ فمع الدعم التنظيمى والابتكارات الاستثمارية فى الولايات المتحدة تجد الاقتصادات الآسيوية نفسها فى موقف يتطلب إعادة تقييم استراتيجياتها لمواكبة هذا التحول الكبير؛ حيث:
1- هيمنة متزايدة للولايات المتحدة الأمريكية: شهدت السوق العالمية خلال الأيام الماضية تحولات غير مسبوقة، مع تدفق رأس المال المؤسسى بشكل متزايد نحو الولايات المتحدة الأمريكية، مدفوعة بتوقعات إيجابية عن توفير لوائحها التنظيمية الواضحة ومنتجاتها الاستثمارية المبتكرة التى تجذب المستثمرين العالميين.
على سبيل المثال، حقق صندوق (iShares Bitcoin Trust، IBIT) التابع لشركة «بلاك روك» (BlackRock) حجم تداول قياسيًا بلغ 4.1 مليار دولار أمريكى فى 6 نوفمبر 2024، بينما تجاوزت أصول صناديق الاستثمار فى البيتكوين المُدرَجَة فى الولايات المتحدة الأمريكية حاجز 100 مليار دولار أمريكى لأول مرة فى 21 نوفمبر 2024، بعد أكثر من 10 شهور على إطلاقها فى يناير الماضى؛ الأمر الذى يُبرِز قوة النموذج الأمريكى فى استقطاب رأس المال.
2- تحدٍّ تنافسى للمكانة الآسيوية: لطالما كانت آسيا حجر الزاوية فى النظام البيئى للعملات المشفرة بفضل ديناميكياتها المُبتكَرَة ومراكزها المالية الرائدة، مثل: سنغافورة وهونج كونج وكوريا الجنوبية. ومع ذلك، فإن الصعود الأمريكى الأخير بقيادة أجندة ترامب المؤيدة للبيتكوين يفرض ضغطا غير مسبوق على قدرة آسيا على الحفاظ على مركزها الريادى.
وبينما تعتمد الأسواق الآسيوية بشكل كبير على المعاملات الفردية والتجزئة؛ فإن الولايات المتحدة تركز على جذب المؤسسات الكبيرة وصناديق الاستثمار الرائدة. هذا التوجه يخلق فجوة كبيرة بين السوقين. وإلى جانب ذلك، فإن الدعم الحكومى المتزايد فى الولايات المتحدة الأمريكية يوفر حوافز مباشرة وغير مباشرة للمستثمرين؛ مما يزيد من جاذبيتها مقارنة بالبيئات التنظيمية الآسيوية.
3- حواجز جذب رأس المال العالمى: يتطلب الحفاظ على مكانة آسيا إعادة صياغة سياساتها الاقتصادية والتنظيمية، مع التركيز على دعم الابتكار المؤسسى، وتوفير حوافز استثمارية مُوجَّهة للشركات العالمية والمحلية، وضمان بيئة مستقرة ومربحة تجذب المزيد من التدفقات لأسواق عملاتها المشفرة.
على سبيل المثال، تُعد السياسات الضريبية الهندية الحالية، التى تشمل 30٪ ضريبة على مكاسب رأس المال و1٪ ضريبة المعاملات، عائقا كبيرا أمام المستثمرين المؤسسيين. يمكن للهند أن تُعيد صياغة سياساتها لتخفيض هذه الضرائب أو تقديم حوافز للشركات الناشئة؛ مما يُعزز جاذبية سوقها. وفى كوريا الجنوبية، يمكن تطوير منتجات مالية مُبتكَرَة لتعزيز السيولة المحلية وجذب المستثمرين الدوليين الذين يبحثون عن بدائل للأسواق الأمريكية.
ثانيًا: مشكلات الابتكار والاحتفاظ بالمواهب:
لطالما كانت المواهب هى العنصر الأكثر أهمية فى اقتصادات العملات المشفرة، ومَنْ يجذبها يقد مستقبل الابتكار. ووفقا لتقرير صادر عن شركة «إليكتريك كابيتال» (Electric Capital) الأمريكية، تستحوذ الولايات المتحدة على 18.8٪ من المطورين العالميين فى مجال العملات المشفرة، مقارنة بنسبة 11.8٪ فقط فى الهند، ثانى أكبر مساهم عالمى فى هذا القطاع لعام 2024.
ومع سياسات الرئيس ترامب المؤيدة للعملات المشفرة، يُتوقَّع أن تزداد قدرة الولايات المتحدة على جذب المواهب العالمية فى هذا المجال، مستفيدةً من بنية تحتية تقنية قوية ودعم حكومى واسع النطاق. فى المقابل، ستواجه الاقتصادات الآسيوية تحديات متزايدة للحفاظ على مواهبها؛ لذا فإنها تحتاج إلى اعتماد استراتيجيات مُبتكَرَة لتعزيز نظامها البيئى وضمان تنافسيتها فى مواجهة هذا التحول العالمى؛ حيث:
1- التأثير الأمريكى فى هجرة المواهب وتدفقات الابتكار: مع إطلاق الولايات المتحدة 9 صناديق استثمار متداولة للبيتكوين والإيثريوم منذ يناير 2024، إلى جانب توفير لوائح تنظيمية واضحة، أصبحت الولايات المتحدة وجهة رئيسية للمواهب العالمية فى العملات المشفرة؛ حيث توفر مدن مثل: ميامى ووادى السيليكون، بيئة جذابة تجمع بين فرص واسعة للوصول إلى رأس المال الاستثمارى وثقافة تدعم الابتكار التكنولوجى.
هذا المناخ المرن والمربح يجذب المواهب والشركات الناشئة من آسيا، التى تواجه غالبا قيودا تنظيمية تحد من نموها. على سبيل المثال، شهدت شركات ناشئة آسيوية، مثل فريق Polygon الهندى، انتقالاً جزئيًا إلى السوق الأمريكية للاستفادة من فرص التمويل والدعم. لمواجهة هذه التحديات تحتاج الدول الآسيوية إلى تطوير نظم بيئية مرنة وسياسات جاذبة للتنافس مع السوق الأمريكية، مع التركيز على دعم التعاون الإقليمى لاستبقاء المبتكرين.
2- فرص التعاون لتعزيز الابتكار المحلى والإقليمى: لمواجهة النزيف المستمر للمواهب نحو الولايات المتحدة، يمكن لدول آسيا تعزيز التعاون بين الشركات الكبرى والشركات الناشئة. على سبيل المثال، يمكن لشركات تكنولوجية آسيوية كبرى العمل مع مطورى العملات المشفرة المحليين لتطوير مبادرات تقنية جديدة تخدم الاحتياجات الإقليمية. إضافة إلى ذلك، يمكن للهند قيادة جهود إقليمية لإنشاء مراكز ابتكار مشتركة مع دول مثل: كوريا الجنوبية واليابان. هذه المراكز يمكن أن تدعم تطوير التطبيقات اللامركزية (Decentralized Applications، dApps)؛ مما يعزز الابتكار فى المنطقة ويوفر بيئة تنافسية للمواهب المحلية والعالمية.
3- برامج تحفيزية لجذب واستبقاء المواهب: فى ظل تصاعد المنافسة العالمية على المواهب فى مجال العملات المشفرة، يمكن لدول آسيا أن تطلق برامج حوافز مالية وغير مالية لجذب المطورين والاحتفاظ بهم. على سبيل المثال، يمكن أن تقدم الهند وكوريا الجنوبية برامج تمويل مخصصة للمشروعات الريادية فى العملات المشفرة، تتضمن منحا للابتكار وإعفاءات ضريبية طويلة الأمد للشركات الناشئة التى تعمل فى هذا القطاع. إضافةً إلى ذلك، يمكن تطوير سياسات هجرة مرنة تتيح جذب المواهب العالمية بسهولة، مثل إصدار «تأشيرات عملات مشفرة» خاصة للمطورين والخبراء التقنيين، مشابهة للبرامج التى أطلقتها بعض الدول الأوروبية لاستقطاب رواد الأعمال الرقميين.
ثالثًا: الاستقرار المالى والتنافسية التجارية:
فى عالم مُعولم، يُمكن القول إن الاستقرار المالى يُعد هدفا وشرطا لاستدامة التنافسية فى الوقت نفسه. ومع تعهد الرئيس المُنتخَب ترامب بتكوين مخزون استراتيجى للبيتكوين، فإن ذلك قد يؤدى إلى تغييرات هيكلية فى كيفية إدارة الاقتصادات الكبرى لأصولها وتدفقاتها التجارية؛ ومن ثم يُمكن أن تواجه البلدان الآسيوية– باعتبارها مركزا تجاريا عالميا ومصدرا رئيسيا للسيولة فى الأسواق الناشئة– تحديات كبيرة لضمان استقرارها المالى وقدرتها على المنافسة التجارية.
تثير هذه التحولات تساؤلات مهمة حول كيفية تكيُف آسيا مع هذه البيئة الجديدة والاستفادة منها لتعزيز موقعها فى التجارة الدولية؛ حيث:
1- البيتكوين كأصل احتياطى وتأثيره فى استقرار العملات الآسيوية: يفرض تبنى الولايات المتحدة للبيتكوين كأصل احتياطى استراتيجى إحداث تغييرات جذرية فى النظام النقدى العالمى؛ ما يفرض ضغوطا كبيرة على العملات الآسيوية؛ فإذا عززت البيتكوين مكانتها كملاذ آمن عالمى فقد يؤدى ذلك إلى تقلبات حادة فى أسعار العملات الآسيوية، خاصة تلك التى تعتمد بشكل كبير على التدفقات الدولارية، مثل: الروبية الهندية أو الوون الكورى. على سبيل المثال، مع توجه الاقتصادات نحو البيتكوين كاحتياطى قد تضطر البنوك المركزية الآسيوية إلى تطوير أدوات نقدية جديدة مثل إصدار عملات رقمية وطنية قادرة على التنافس مع البيتكوين، مع ضمان استقرار أسواق الصرف الأجنبى.
2- تأثير البيتكوين فى تدفقات التجارة الإقليمية والدولية: قد يؤدى تعزيز استخدام البيتكوين كوسيلة للدفع فى التجارة الدولية إلى تقليل هيمنة الدولار الأمريكى، ولكنه قد يفرض تحديات تجارية جديدة. بالنسبة لآسيا، التى تعتمد بشدة على الدولار الأمريكى لتسوياتها التجارية، فإن استخدام البيتكوين قد يخفف من القيود المرتبطة بالعملة الأمريكية، لكنه سيُعرِّض الشركات الآسيوية لمخاطر تقلبات أسعار البيتكوين؛ لذا قد تضطر الشركات إلى تطوير استراتيجيات تحوُّط فعالة لحماية أرباحها من تقلبات أسعار البيتكوين عند التعامل مع الموردين والعملاء العالميين.
3- إعادة تصميم النظم المالية لتبنى العملات المشفرة: مع توسُع الولايات المتحدة فى البنية التحتية الداعمة للبيتكوين، مثل صناديق الاستثمار المتداولة، تواجه البنوك والمؤسسات المالية الآسيوية ضغطا كبيرا لتبنى سياسات مماثلة؛ لذا قد تكون إحدى سياسات المواجهة إطلاق منصات مالية مبتكرة تتيح استخدام البيتكوين بشكل أكثر شمولاً، مثل: تطبيقات الدفع الرقمى أو محافظ العملات المشفرة المرتبطة بالخدمات المصرفية التقليدية. على الجانب الآخر، يمكن توسيع الاستراتيجيات المالية لتشمل البيتكوين كجزء من أصولها الاستثمارية؛ مما يضمن الاستفادة من النمو المتزايد لهذه العملة دون المساس باستقرار نظامها المالى المحلى.
رابعًا: الاستدامة.. تميُّز آسيا البيئى فى العملات المشفرة:
فى عالم اليوم، أضحت الاستدامة خيارا لا بديل عنه، وضرورة تقود الابتكار والمسؤولية البيئية. وبينما تعزز أجندة الرئيس المُنتخَب ترامب دعم العملات المشفرة كثيفة الطاقة؛ فإن ذلك يثير مخاوف بيئية عالمية حول ارتفاع استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون المرتبطة بتعدين البيتكوين.
ومع التوقعات بقيام الولايات المتحدة بتوسيع بنيتها التحتية لتعدين البيتكوين دون معالجة كافية للجوانب البيئية، تواجه آسيا- كمركز رئيسى لتعدين العملات المشفرة- مفارقة صعبة تتمثل فى الحفاظ على تنافسيتها فى سوق العملات المشفرة سريعة النمو مع الوفاء بالتزاماتها البيئية والمناخية. وفى هذا الشأن يمكن الوقوف على ما يلى:
1- تأثير التعدين كثيف الطاقة فى الموارد الآسيوية: وفقًا لتقديرات شركة (Precedence Research) الصادرة فى نوفمبر 2024، يُتوقَّع أن ينمو حجم السوق العالمية لتعدين العملات المشفرة من 2.45 مليار دولار أمريكى فى عام 2024 إلى 8.24 مليار دولار أمريكى بحلول عام 2034، بمعدل نمو سنوى مركب 12.9٪.
يضع هذا النمو السريع المُتنبأ به ضغوطا متزايدة على الموارد الطبيعية وشبكات الطاقة فى آسيا، التى تُعد مركزا عالميا لتعدين العملات المشفرة؛ ذلك أن دولًا مثل: الهند وكازاخستان تستضيف عمليات تعدين واسعة؛ ما يزيد من استنزاف الطاقة. على سبيل المثال، تعانى الهند بالفعل من نقص فى إمدادات الطاقة فى بعض المناطق؛ مما يجعل أى زيادة فى أنشطة التعدين تشكل تهديدا للاستقرار الطاقى. للاستجابة لهذه التحديات، تحتاج آسيا إلى استثمارات عاجلة فى مصادر الطاقة المتجددة، مثل: الطاقة الشمسية والرياح لدعم تعدين العملات المشفرة بطريقة مستدامة.
2- قيادة الابتكار فى التعدين المستدام: تمتلك آسيا فرصة فريدة لتصبح رائدة عالميا فى التعدين المستدام للعملات المشفرة؛ فالاستثمار فى تقنيات مبتكرة مثل: الحوسبة الكمية أو المرافق المتقدمة للتعدين التى تعتمد على الطاقة المتجددة يمكن أن يشكل نقطة تحول. على سبيل المثال، يمكن للهند وكوريا الجنوبية التعاون مع دول ذات موارد طبيعية غنية بالطاقة المتجددة مثل بوتان، التى تعتمد على الطاقة الكهرومائية، لإنشاء مراكز تعدين خضراء.
هذا، وتُعد تجربة شركة TeraWulf الأمريكية، التى تخطط لاستخدام أكثر من 90٪ من الطاقة الخالية من الكربون فى تعدين البيتكوين، نموذجًا يمكن أن تحاكيه دول آسيا. هذه المبادرات يمكن أن تعزز مكانة آسيا كرائدة فى الابتكار المالى البيئى، مع تقليل البصمة الكربونية للصناعة. اللافت للانتباه أن هذا التوجه يشهد اتجاها مُتناميا فى آسيا، حيث تشير تقديرات BIS Research إلى أن قيمة سوق تطبيقات التعدين المستدام فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ (باستثناء الصين) قد بلغت 479.0 مليون دولار أمريكى فى عام 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى 2.5 مليار دولار أمريكى بحلول عام 2032.
3- إطار إقليمى للاستدامة فى العملات المشفرة: يمكن لآسيا تعزيز مكانتها فى مجال العملات المشفرة من خلال تشكيل تحالفات إقليمية تركز على الاستدامة. ويُعد «تحالف آسيا للعملات المشفرة» (Asia Crypto Alliance) مثالاً بارزًا على ذلك؛ حيث يهدف إلى تعزيز نمو وتطوير نظام بيئى مستدام ومسؤول لمقدمى خدمات الأصول الافتراضية فى آسيا. ومن خلال هذا التحالف، يمكن وضع معايير مُوحَّدة لاستهلاك الطاقة فى عمليات التعدين، وتقديم حوافز للشركات التى تعتمد على مصادر الطاقة المتجددة. على سبيل المثال، يمكن تطوير شهادات «التعدين الأخضر» كميزة تنافسية للمستثمرين والمؤسسات؛ مما يعكس التزام آسيا بالابتكار المستدام فى مجال العملات المشفرة.
أخيرًا، تشير أجندة الرئيس المُنتخَب ترامب المؤيدة للبيتكوين إلى إعادة تشكيل قواعد النظام المالى العالمى، مع دفع العملات المشفرة إلى مركز الصدارة فى الاقتصاد الرقمى. وقد أسفرت إعادة انتخابه عن صعود أسعار البيتكوين إلى مستويات قياسية، وهو ما بات يُعرف ب«تأثير ترامب» (Trump Effect)، ليضع آسيا أمام مفترق طرق حاسم: حماية مكانتها كمحور رئيسى فى اقتصاد العملات المشفرة، وفى الوقت نفسه تكييف استراتيجياتها مع بيئة جديدة تُعيد الولايات المتحدة رسم ملامحها.
اليوم، تواجه آسيا تحديا مزدوجا يتطلب تفكيرا استباقيا، يبدأ بتطوير أطر تنظيمية مرنة وجاذبة، والاستثمار فى المواهب المحلية، وتعزيز التعاون الإقليمى. ومن خلال الابتكار والاستدامة، يمكن لآسيا أن تحوِّل هذه التحديات إلى فرص، لتستمر فى تأدية دور رائد فى صياغة مستقبل العملات المشفرة، ليس كمتلقٍ للتحولات؛ بل كقوة دافعة تعيد تعريف هذا الاقتصاد سريع النمو. وبينما تتغير قواعد اللعبة، فإن آسيا، بإمكاناتها الكبيرة وإرثها المبتكر قد تكون أمامها فرصة ذهبية لتكون فاعلا رئيسيا فى صياغة قواعد النظام الجديد، وقيادة الاقتصاد الرقمى نحو مستقبل أكثر شمولًا واستدامة.
* خبير سياسات عامة- المدير التنفيذى السابق لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصرى
ينشر بالتعاون مع المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.