ميدان التحرير .. الثانية عشر ونصف.. ليل 25 يناير2011 أرى أول قنبلة مسيلة للدموع تتجه نحونا من مصفحة أمن مركزي تقف عند مدخل القصر العينى ..ابتسم وانظر لها باستخفاف فنحن نقارب ال30 ألف وأعداد الأمن المركزي تبدو تافهة مقارنه بنا، أثق في أننا لن نترك الميدان وستتجمع مصر كلها علينا صباحا. الدخان يغطى التحرير، الحشود التي كنت أزهو بها تتراجع منكسرة باتجاه عبد المنعم رياض، اهتف مطالبا بالثبات قبل ان اختنق بغاز لا افهم كيف أتعامل معه واجد نفسي اتقهقر إلى الخلف. عند مدخل عبد المنعم رياض يقف صف امن المركزي، ويطلقون علينا الغاز بدورهم، لا يفكر مخلوق منا في اقتحام الصف اليتيم ونتفرق في شوارع جانبية. اخرج من مستنقع الغاز ومعي شعور مرير بالهزيمة وقلة الحيلة، استلقى على كورنيش النيل مقهورا،فيميل نحوى شاب جامعي ويسألني باكيا: صاحبي جوه .. غالبا قبضوا عليه .. احنا سبناه ليه ؟؟ احتضنه بقوة ولا أرد، لم أكن املك إجابة لحظتها، اما الان فاعتقد ان تركنا لهليس له علاقة بأننا كنا سلميين، ولكن بأننا كنا نخاف. لكننا يوم 28 يناير كنا سلميين، فإلقاء الحجارة على من يلقى علينا غاز فعل سلمى، وحرق الأقسام التي خرج منها المسجلين خطر ليجتاحوا مظاهرتنا فعل سلمى، التراجع هو المناقض للسلمية، التراجع جبن. شخصيا كنت ألقى الحجارة فى موقعة الجمل بمنتهى السلمية نحو من يلقى نحوى المولتوف، فالسلمية عدم المبادرة بالعنف وليس الموت مجانا. مع السلمية لأخر مدى، لكن السلمية لا تعنى الفرار كالأغنام عندما نرى تشكيل امن مركزي، والدفاع عن النفس جزء أصيل من السلمية. عمليا ليس أمامنا سواها،نحن عزل وهم قوات مسلحة، فعكس السلمية نضال مسلح وهو أمر لا يملكه الثوار أصلا، فالعسكر و الشرطة وحدهم يحملون السلاح فمن أين ستأتي اللاسلمية ؟ هتافات زهقنا من السلمية مجرد مراهقة، ومن يصدعون رؤوسنا عبر شبكات التواصل الاجتماعي أن الحل في الحرق وخالتك سلمية ماتت نسخة من جماعات العنف السياسي في التسعينات التي أطالت حكم مبارك بغبائها. ومصطلحات الشعب جاهل والانتخابات لا جدوى منها هي نفس مصطلحات التكفير والهجرة، مع استبدال كلمة إسلامية بالشرعية الثورية، الفارق الوحيد ان أعضاء الجماعات كانوا يقاتلون لينفذوا ما يريدوا، بينما هناك من يريد اليوم من سكان المناطق الشعبية والالتراس وأطفال الشوارع أن يقوموا بالمهمة نيابة عنه. لسنا نحن من نعاقب الشرطة بإلقاء الحجارة ولكننا فقط ندافع عن أنفسنا، لذلك فالسخرية من السلمية وتخوين مبادرات وقف المواجهات في محمد محمود او مجلس الوزراء محض مزايدات رخيصة، فالأصل اننا لا نريد اشتباكات لأننا ببساطة لسنا من يطلق الرصاص. يسأل البعض إلى ماذا أوصلتنا السلمية؟؟ اقول اوصلتنا لمجلس تشريعي شارك في انتخابه 27 مليون مصرى ، وملايين تهتف فى الميادين للحكم المدني الديمقراطي ولإنهاء الحكم العسكري، وتقدير عالمي لاحتجاجاتنا الحضارية، واقتصاد لم ينهار، ومؤسسة عسكرية متماسكة، والاهم قدرة دائمة على التجمع والاحتشاد لفرض إرادتنا. اما خالتك سلمية ماتت فلم نجنى من ورائها سوى طرد الشخصيات العامة من التحرير، وتعالي مراهق على العمل الحزبي، واشتباكات صبيانية مع الفصيل السياسي الأكبر في الميدان، وهى أمور لا علاقة لها بالتغيير المسلح ولكن بالتخلف السياسي. سلمية .. سلمية .. سلمية.. فلسنا نصور الجزء الثاني من فيلم أمير الانتقام ولكننا نؤسس لدولة ديمقراطية، والأكيد ان جميع الثورات التي ذبحت خصومها في البداية ذبحت أبنائها في النهاية.