«أنت أجمل تهريب لذاكرتي..أنت رسالتي للمستقبل» بهذه الكلمات يراسل وليد دقة أشهر أسير فلسطيني في سجون الاحتلال ابنته التي اختار لها اسم ميلاد دون أن يلمسها ويحتضنها في قلبه ليفارق الحياة مهزوما من السرطان الخبيث ومنتصرا على الاحتلال في سجنه بعدما تزوج حب عمره داخل السجن ونجح في تهريب نطفة كانت الأولى من داخل السجن أصبحت طفلة ترق لها القلوب اسمها «ميلاد». بدأت قصة وليد دقة عام 1984 حيث اعتقل على خلفية إدانته ورفاقه إبراهيم ورشدي أبومخ وإبراهيم بيادسة بالعضوية في خليّة نفذت عملية خطف وقتل الجندي الاسرائيلي موشي تمّام لتصدر محكمة اسرائيلية قرارا بسجنه مدى الحياة، ومع ذلك أصر الفلسطيني الذي يعيش في الداخل الاسرائيلي على الحياة ما استطاع إليها سبيلا. لم يستسلم وليد للتشديدات الأمنية الاسرائيلية على الشخص الذي حلم بأن يحقق مقولة محمود درويش ويأكل من خبز أمه ويحتسي قهوتها عندما اعتقلته قوات امن الاحتلال أثناء عمله في أحد محطات الوقود لترمي بالطعام في السلة وهكذا القهوة التي ظلت رائحتها في فمه في كل مرة جاءت والدته إلى السجن وتقررة المفتشة أن تلقي بطعامها في القمامة. بدأ وليد في أن يخلد حياته عندما كتب عام 2005 العالم الموازي وهي مجموعة صور مرسومة وكتابات بخط يده انتقلت من داخل السجون الاسرائيلية إلى أيادي المثقفين والمؤلفين والشعراء الفلسطينيين سوءا في الداخل أو الضفة أو حتى قطاع غزة لتتحول إلى أعمال فنية باقية دفعت الصحفية الفلسطينية من الداخل سناء سلامة لزيارته والتعرف على حياته بشكل أكثر. تقول سناء :«كنت اكتب لصحيفة الصبار التي تصدر في يافا، وانا من مدينة اللد، اتابع أوضاع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال وعندما زرت وليد لاستقي منه معلومات حول أحواله هو والأسرى الآخرين عن قُرب أكثر فوجئت من مدى ثقافته ومتابعته الأخبار بالخارج عن كثب وأعجبت جدًا بشخصه وفكره وبعد زيارتي الأولى له بأعوام أخبرني أنه في تلك الزيارة كان قد عرف وقرّر أنني الإنسانة التي يريدها أن تشاركه حياته ليقرر الحبيبان الزواج حتى ولو داخل السجن وهو ماتم». الزواج الذي كان مثابة فرح لفلسطين بالكامل كان بمثابة نقطة للنور كتب على أساسها وليد ليؤكد على أن قصته باقية ما دامت تستحق أن تروى حيث قال :«إن أسوأ ما في الزمن داخل الأسر دائريته المملة والمتكررة إلى حد اللزوجة تمامًا كباحة السجن التي ندور فيها حول لا شيء. إن سناء جعلت زمني في السجن خطاً مستقيماً صاعداً نحو المستقبل الذي نسير إليه رغم محيطات العنف والكراهية». قرر الزوجان أن تكون لحكايتهما ميلادا لآلاف الأسرى واليائسين وقدما عشرات الطلبات للالتقاء كزوجين ما رفضه الاحتلال مرارا دون أسباب واضحة، لتأتي مرحلة جديدة من النضال الفلسطيني وينجح وليد في تهريب نطفة من داخل السجن واتفق مع زوجته على أن تكون الأمارة إحضارها أخاه الأكبر للزيارة معها إذا كانت حاملًا وإذا لم تكن كذلك، فلتحضر وحدها، وذهبت برفقة أخيه، قلت له ها أنا آتي مع أخيك، ولكن كان وليد تحت وقع الصدمة، لا يجرؤ على تصديق الأمر، وحينها انفعل جميع الأسرى هناك، وتحول المكان لباحة من البكاء والفرح الكبير جدًا«. بتاريخ 3/2/2020 كان ميلاد «ميلاد وليد دقة» وكتب الرجل إليها بفرحة غير مسبوقة أنت أجمل تهريب لذاكرتي وحاول الاحتلال مرات ومرات اقتحام منزله الذي لم يراه ونهشه السرطان مع الوقت وحاولت مؤسسات عدة التوسط والضغط للمطالبة بالافراج عنه كانت آخرها منظمة العفو الدولية أثناء حرب غزة الحالية بينما فارق الحياة تاركا ميلاد ابنته بمثابة رسالة للمستقبل.
