البحيرة.. رائحة الدم تملأ مستشفى وادى النطرون والنوبارية

«مشهد يوم القيامة»، كان الوصف الأقرب لما حدث على الطريق الصحراوى السريع، عند الكيلو 132 فى منطقة النوبارية بالبحيرة، تاركا وراءه أكثر من 30 ضحية و60 مصابًا على الأقل، بعد اصطدام عدة سيارات ببعضها قبل أن تتحول لقطع حديد التهمتها النيران وتفحمت معها جثث مستقلى هذه السيارات.
عند بوابة مستشفى وادى النطرون، وقفت الأم الثكلى تعدد محاسن ابنها البكرى «محمد»، المهندس الذى راح ضحية الحادث، تقول: «ده الحنين، من رزقه بيعطينى يا ناس أنا وأبوه»، دققت النظر مرات فى الكشف المدّون به أسماء الوفيات، لم تستوعب إلا بدخولها مشرحة المستشفى، لترى الابن مسجى أمامها يضحك مثل «ملاك برىء»، تصفه وتدمع عيناها: «شكله بيبتسم فى وجهى يودعنى»، وكيل النائب العام يصرح بالدفن ويكتب معزيًا أسرة الشاب صاحب ال29 عامًا: «البقاء لله».
داخل غرفة الطوارئ، كان «أحمد»، مهندس الميكانيكا، يرقد على تروللى، الدماء لا تزال تسيل من جسده، ويتوجع من كسور رقبته وظهره، ينطق بالكاد ويتألم مع كل حرف ليروى: «كنت راكب سيارة ملاكى مع 2 من زملائى بالشركة من الإسكندرية وفى طريقنا للقاهرة، وعند النوبارية كانت هناك شبورة جامدة، وأمامنا أتوبيس اصطدم مباشرةً بميكروباص، والسيارة التى نستقلها خبطت فيهما ولحسن الحظ جاءت سيارتان لتصطدم بنا من الخلف لتبعدنا مسافاة نحو 500 متر، لتشتعل جميع السيارات المصطدمة بالحافلة وتحترق عن آخرها».
فى غرفة العناية المركزة، يرقد المهندس أحمد ماهر، يعمل فى إحدى شركات المقاولات بالتجمع الخامس، يفزع والداه مع معرفتهما معاناته من كسور بأنحاء متفرقة من جسده واحتمال إجراء عميلة بتر، يبكيان على الابن: «ده عريس جديد، مكملش شهرين، ومراته حامل».
عدد كبير من عمال اليومية كانوا يستقلون سيارات «ميكروباص» فى طريق عودتهم من القاهرة إلى الإسكندرية يقولون: «السواقين مكانوش شايفين قدامهم، العربيات واحدة ورا التانية بقوا يدخلوا فى بعض، لحد ما جت أتوبيسات وزادت المأساة، وانقلبت على الأرض وأحدث بعضهم دوى انفجار واشتعلت النيران، وساد الرعب».
العمال كانوا يخفون عن أسرهم تفاصيل الحادث حتى فوجئوا بزياراتهم، بعضهم بكى «اتكتب لنا عمر جديد».. فريق من البحث الجنائى حضر لسماع أقوالهم مع النيابة العامة وجميعهم أفاد بأن ما حدث كان «قضاء وقدرا» ولا يتهمون أحدًا بالتسبب فيه.