النزوح إلى السيمائية فى رواية «الياقوت» لأمجد الصبان، والصادرة عن دار «العين»، هو ما يشيد النص، فالرموز تخرج من إشارات وعلامات، وأحيانًا حكايات بطلها الإنسان والتاريخ العبثى، يتلوها بضمير المتكلم ومنظور الشخص الأول شخصية البطل «المنسى»، وهو الاسم صاحب الرمز الفلسفى والسياسى، لشخصية تشيد عالمًا من الرموز فى لعبة سردية تبنى نصا يقوم بناؤه الروائى على الراوى، والنأى من حكاية لأخرى، لتخلق سردية تكتب عن ثنايا المهمشين خطوط المسرودين من شخصيات وحكايات تبنى نصا يعطى لجزء من التاريخ الحديث والعبث فيه حيزا يربض به فلسفة تخرج من رموز تتنوع بين الخروج من السيمائية أحيانا، والميل إلى المباشرة أحيانا. أكرم محمد يقطن ببناء النص البناء القصصى وروحه، بداية من تكثيف المشاعر الإنسانية، والتى تولد رموزًا فلسفية وسياسية واجتماعية، وتطرح ثنائيات مثل: المجتمع/الطبقية، الإنسان/الفقر، الإنسان/السلطة، الإنسان/الإنجاز، الإنسان/ الماضى، خاصة فى طاحونة الرأسمالية وعوالمها، وغيرها، وهى كلها ثنائيات تنبع من المشاعر الإنسانية. تنبثق فلسفة هذا النص من موقع الإنسان من السلطة، والتعبير عنها عن طريق سردية من منظور ضمير متكلم، وطرح «سردية التدوين» من حياة مهمش.. نص يعتنق التهميش والإنسانية كعنوان للفن. أمجد الصبان يرصد النص محاولة مواطن منسى للنزوح إلى عالم وطبقة تقطن بها السلطة كعنوان للمجتمع، وكطبقة تنأى عما تحتها من طبقات. يحاول المنسى من بداية العمل الخروج إلى نور نسبى يتمثل فى الخروج من طبقته، وتحقيق ولو شبه إنجاز. الرمز فى هذا النص ينبع من كل شى، وأولهم السيمائية والحكايات، التى تسرد بنظرة التدوين، ولذلك يأتى بضمير المتكلم؛ حيث التدوين الإنسانى يعبر عنه مواطن مصرى، إنسان منسى يعبر عن الإنسان فى كل مكان، وحيث الصدق الفنى يبنى الشخصيات واللغة، ومن خلاله، أيضًا، تبنى السردية. غلاف الكتاب الصدق الفنى يبنى اللغة، التى تبنى بناء على بناء الشخصيات، المؤثر فيها الصدق الفنى بدوره المتجلى فى النص. أيضًا، هو عنصر مرتبط كليًا بروح البناء القصصى؛ حيث المشاعر الإنسانية المكثفة تظهر كائنة فى النص. تظهر المشهدية والسرد السينمائى فى النص بقوة، مقترنة بروح البناء القصصى.. المشهدية والسينمائية هنا هى عنوان لبناء مشهد تتعدد زواياه، رغم الرؤية الأحادية للسارد؛ فضمير المتكلم هنا هو السارد. المشهدية هنا تولد من رحم الصدق الفنى، الذى يولد رموزا فلسفية واجتماعية وسياسية تخرج من حكايات تعتمد على تقنية التدوين وأهمية الحكى الشفهى، والشحذ من ذاكرة شخص مهمش يحاول النزوح لطبقة عليا.. شخص يشحذ من ذاكرته حكايته التى شكلت وجدانه، وخلقت كيانه، ومن خلال تلك الحكايات تظهر اللعبة السردية للنص.. النص الذى يقوم جزء من بنائه الروائى على الحكايات و«التدوين» (الحكى الشفهى). ومن نقطة المشهدية تظهر ثنائية الإنسان/المكان والنص/المكان؛ حيث المشهدية تبنى مكانًا، والمكان يبنى فلسفة وشخصيات.. المدينة هنا تبنى قاطنيها. تظهر طبقية الأمكنة وسحقها لقاطنيها، ويتجلى المكان كبطل؛ حيث الملك فى الإسكندرية يعد للرحلة، و«المنسى» فى القرية والقاهرة ويخطط للذهاب إلى الإسكندرية.. أيضا، المكان هنا يشيد بناءً فلسفيا. التاريخ فى هذا النص لا يلعب دور الخلفية؛ بل هو بطل. هو عنصر يلعب دورًا هامًا فى السردية، ويبنى فلسفة. التأريخ العبثى، والتغيير الإبداعى فيه يعطى نظرة فنية وفلسفية لموقع الإنسان من السلطة والتاريخ، وعن طريق السرد من خلال ضمير المتكلم ينساب التاريخ على صفحات من المشاعر الإنسانية والفلسفة، التى لا يعلمها بطلها «المنسى»، ولكن «الصبان» يستخدم خطابه الجمالى، المتمثل فى تدوين ومشاعر، لبناء الرمز. البناء الدرامى يقوم على فكرة «التدوين البدائى» والحكى الشفهى، والسيرة شبه الشعبية لشخصية مهمشة تبحث عن إنجاز، لبناء فلسفة النص، وهو ما يستند لبناء الشخصى، وما يظهر فى السرد الرابض بالنص والظاهر بضمير المتكلم، للتعبير عن واقع. ولأن الأدب كلام من الكلام يظهر النص وما يبنيه من فلسفة، ويظهر شكل البناء الدرامى هذا، والبنية الروائية التى يبنى جزء منها على العبث والسيريالية، لبناء الرمز وعالم موازٍ للواقع يعبر عنه، ببيئة جغرافية وأحداث سياسية كامن بها السيريالية، وعن المدينة التى تلتهم أهلها، أو كما ورد من قلم جيمس جويس فى روايته «صورة الفنان فى شبابه»: «أنا ابن هذه البيئة وهذا المجتمع، سوف أعبر عن نفسى كما أنا» الرموز هنا تخرج من كل شىء، وهذا يستند لكثرة التفاصيل الرابضة بالنص، وهو ما يظهر مواليا الحبكة وكثرة حكاياتها، والمظهر الملحمى للنص، وشبه السيرة الشعبية لشخصية مهمشة تقطن فى تاريخ مشوه. نص يطرح «الدادية»، التى ظهرت بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى وكانت طريقًا لميلاد مسمى «السيريالية»، كعنوان للتاريخ، وتطرح التاريخ كعنوان للتفاصيل والرموز، وخلق بكل مهمش.. بطل منسى.