«جوهر فن الرقص العربى التقليدى، ليس فى كثرة حركات الراقصة إنّما فى قلّتها»، هكذا يصف الناقد البارز إدوارد سعيد، فن الرقص الشرقى الذى تحدث عنه زوار الشرق الأوروبيّون فى القرن التاسع عشر مثل إدوارد لين وفلوبير، بوصفه إحدى المآثر البارزة لنساء القصور، كالقدرة على الغناء وتلاوة القصائد، وطلاوة الحديث. يقول سعيد فى كتابه «تأملات فى المنفى» الذى أفرد من خلاله فصلا شيقا عن الراقصة تحية كاريوكا ووصفها بأنها «راقصة تقدمية ومهيبة»: «وحدهن الراقصات المبتدئات، أو المُقلّدات البائسات من يونانيّات وأمريكيّات، من يُواصلن ما يُحسب إثارة وإغراءً. فالهدف يتمثّل فى إحداث أثر عن طريق الإيحاء أساسا، إنما ليس حصرا على الإطلاق، عبر سلسلة من الحوادث المُترابطة معا بصيغٍ مُتعاقبة، أو موتيفات متكرّرة». الرقص الشرقى المصرى من أقدم الفنون فى العالم، لكن لم ينل حقه فى الاهتمام، ومن هذا المنطلق وكجزء من حملة لتغيير التصورات عن الشكل الفنى التقليدى، أطلقت الراقصة إيمى سلطان مبادرة لمحاولة إدراج الرقص الشرقى المصرى فى قوائم اليونسكو للتراث الثقافى غير المادى. مع عودة السياح إلى مصر، يزداد الطلب على الراقصات الشرقيات. تقول الراقصة إيمى سلطان: «فى المجتمع المصرى المحافظ، تواجه الراقصات وصمة عار اجتماعية شديدة، بل يتعرضن للملاحقة القضائية لارتدائهن ملابس تعتبرها السلطات منحلة للغاية، إذ تطلب بعض العائلات راقصة فى حفلاتهم ومناسباتهم، لكنهم لن يسمحوا لبناتهم بأن يصبحن راقصات». قلق متزايد أشارت إليه «إيمى» بسبب الشكل الفنى الذى أصبح مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالملاهى الليلية، إذ إن الرقص الشرقي المتجذر بعمق فى التاريخ المصرى يُنظر إليه بشكل ما على أنه أقرب إلى رقص التعرى. وبسبب الصعوبات التى تواجهها الراقصات المصريات، فإن الكثيرات ممن يرقصن فى النوادى والملاهى الليلية والأفراح من روسيا وأمريكا الجنوبية. * من مصر القديمة إلى عصر السينما الذهبى مع بداية السينما ورواجها فى القرن العشرين. انتقل فن الرقص الشرقى من مجرد عروض تؤدى فى الحفلات والأفراح وعلى المسارح، إلى شاشات السينما، فتاريخ الرقص فى مصر حافل بالكثير من رائداته. «بمبة كشر».. واحدة من أوائل وأشهر الراقصات اللاتى عرفتهن مصر فى القرن العشرين. لقبت باسم «ست الكل»، كانت «بمبة كشر» ترقص وهى حاملة على رأسها صينية وعليها أكواب. أما منافستها «شفيقة القبطية»، فكانت ترقص بالشمعدان، ولقبتها الصحافة المصرية ب«ملكة الرقص الشرقى»، و«الراقصة العالمية»، نظرًا لشهرتها العظيمة خارج مصر آنذاك. «بديعة مصابنى».. رغم كونها غير مصرية، إلا أنها عاشت معظم حياتها بمصر، وأَثْرت الفن المصرى بعطائها وفرقتها الفنية التى خرج منها الكثير من كبار الفنانين والفنانات فى الطرب كفريد الأطرش ومحمد فوزى، على وقع أقدام من الراقصات: تحية كاريوكا. حكمت فهمى، سامية جمال، نعيمة عاكف، كيتى، زينات علوى، ونعمت مختار، سهير زكى، ناهد صبرى، وزيزى مصطفى.