لا أعلق هنا على حكم قضائى، ولا أتدخل فى مسار قضية، لكن جرح الدويقة ليس فقط ملك المحكمة التى تنظر القضية، ولا ملك د.عبد العظيم وزير، محافظ القاهرة، الذى لم يحمّله أحد مسؤولية شىء مما حدث، لا جنائياً ولا سياسياً، ولا ملك أهل 119 قتيلاً دفنتهم الصخور، و55 مصاباً استبد بهم الفزع والألم، ومئات الأسر التى شردها الانهيار، وخلط مساكنها البسيطة بالصخر المتفتت. تذكّرك متابعة المحاكمة فى قضية الدويقة، التى يستأنف فيها متهمون حالياً أحكاماً صدرت بالحبس، برائعة عاطف الطيب الخالدة «ضد الحكومة»، تستدعى أحمد زكى من ذاكرتك، وهو يحاول أن يقنع القاضى أن «المحولجى» ليس هو المسؤول الوحيد عن تصادم أتوبيس وقطار على «المزلقان»، لكن هذه المرة فى قضية الدويقة يوجد «محولجى» بدرجة نائب محافظ، وبعض موظفين صغار، لكن المحافظ نفسه لم يُحاسب، ولم يحضر فى تحقيقات أو يمثل أمام محكمة، وكأنه كان الوحيد الذى لا يعرف أن المنطقة مهددة بكارثة، بينما كان موظفوه يعرفون؟ اقرأ نصوص التحقيقات التى أدانت مسؤولى حى منشأة ناصر ونائب المحافظ، وأكدت أنهم كانوا على علم بالتقارير السابق إعدادها من خبراء هيئة المساحة الجيولوجية بشأن منطقة الحادث، التى تم تسليمها قبل وقوع الحادث فى 6 سبتمبر 2008، بنحو 14 شهراً، وأوصت بإزالة جميع المساكن الموجودة على حافة الهضبة، مؤكدة أن المنطقة معرضة للحوادث لوجود عدد من الكتل الصخرية على وشك الانهيار، وأوصت بإخلاء المساكن الموجودة أسفل الهضبة، وكان على مسؤولى الحى والمحافظة تنفيذ توصيات التقارير، وأمام المحكمة اعترف مدير الشؤون القانونية فى محافظة القاهرة بموافقة الدكتور عبدالعظيم وزير على إدخال المرافق إلى المنطقة رغم علمه بأن المنطقة مهددة بكارثة، وفعل ذلك لحين صدور قرار نهائى بتنفيذ الإزالة. إذا كانت كل التقارير التى تحذر من الكارثة وصلت إلى نائب المحافظ ولم تصل إلى المحافظ شخصياً، فهذه فى حد ذاتها جريمة تستحق أن يحاسب عليها «وزير» بمنطق «إذا كنت تدرى فتلك مصيبة.. وإذا كنت لا تدرى فتلك مصيبة أكبر»، لكن العقل والمنطق يؤكدان أن التقارير التى حذرت قبل 14 شهراً من الكارثة، لابد أن تكون وصلت للمحافظ، وإلا لكان هناك خلل فادح يستحق أن يُحاسب عليه «وزير»، ناهيك عن أن تنفيذ قرارات الإزالة والتسكين من سلطات المحافظ أو من يفوضه، كما قال نائبه أمام المحكمة، فإذا كان لم ينفذ ولم يفوض أحداً للتنفيذ، فكيف يمكن اعتباره غير مسؤول؟! دعك من الشق الجنائى فى القضية، وتذكر فقط أن وزير النقل السابق محمد منصور لم يكن مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن حادث قطار العياط المفجع فى أكتوبر الماضى، لكنه استقال فور حدوثه بأيام، متحملاً ما يسمونه فى البلاد المتحضرة «المسؤولية السياسية». إذا كان عبدالعظيم وزير غير مدان جنائياً فهو كان ولايزال على الأقل «مداناً سياسياً»، ومكانه إن لم يكن فى ذات القفص الذى يقف فيه نائبه «متهما»، فلابد أن يكون على الأقل يعيش «تقاعداً هادئاً» فى منزله...! [email protected]