فى غفلة عن الطقوس ، ولأول مرة وافقت أسرتها على ذهابها لرحلة عقب إلحاح شديد منها ، بعد أن قاربت على الإقتناع بأنها كائن بحرى لا حياة له بعيدا عن الماء . كان تفوقها شافع لها حينما خصصت المدرسة رحلة للفائقات ، و الدراسة هي النافذة الوحيدة التى تطلعها على أشياء لم تألفها بداخل المنفى . أحضرت بعض مستحضرات التجميل خلسة لتبدو متألقة في هذا اليوم ، ليس بها ما يجعلها ملونة إنما لمداواة بعض الندبات والشحوب فى وجهها والتى قد خلفتها تبعات المنفى . يوم الفرار ( الرحلة ) ، نظرت فى المرآة ، وجدتها غريبة مختلفة وقد توردت وجنتيها ، وبدت جميع معالم أنوثتها وكأن جسدها يحتفل معها بميلاد جديد . تحركت بالتناوب ما بين المرآة ودولاب الملابس ترتدى هذا وتخلع هذا ، وتتمايل مثل عارضات الأزياء فى كل رداء تتخيل صورتها ، وكيف ستبدو به أثناء الرحلة إلى أن استقرت على أحدهم . اقترب الموعد و هي تنظر فى ساعة الحائط وتتمنى لو تتقدم قليلا لتبدأ رحلتها ، و أخيرا حُسِِِِِم الأمر واستقلت أتوبيس الرحلة وبجوارها صديقتها و التى اشتركت معها فى نفس المعاناة . أدار السائق جهاز الكاسيت ، استمعت لأغانى قديمة كأن أذنها تستقبلها لأول مرة ، تدرك معنى كل كلمة جيداً وتستطيع أن تضيف إليها أبياتا جديدة . أطربتها الألحان لدرجة جعلتها تتمنى أن تقفز فوق السيارة ، وتبدأ فى الرقص هى التى لا تعرف سوى المشية العسكرية ، ستتحدى برقصها هذا أعتى راقصات العالم وستصبح أكثرهن إغراءا .ً حين رأت السراب تذكرت وهى تنظر من النافذة حلمها القديم بالإستقلال فى الصحراء ، بداخل كوخ صغير تنفصل فيه عن كل ما عرفته منذ لحظة مولدها ، لا لم يعد هذا مطلبها الآن فقد تخلت عن هذا الحلم فهى على وشك ميلاد جديد . فى غمرة الأحلام زاد معدل سرعة السيارة لم ترتعد ولم يقلقها هذا حتى لو وافتها المنية الآن ، يكفى أن جثتها ستكون خارج المنفى .