لكل حادث علته وسببه.. والمصريون عندما أطلقوا كلمة أبوالسباع على الخديو إسماعيل- وأصبح كل إسماعيل يحمل هذه الصفة من بعده- كان سبب ذلك تلك الأسود الأربعة، أى السباع الأربعة، لأن المصرى لم يتعود على كلمة أسد.. وإنما على كلمة السبع. وتذكروا مدينة أبوالسبع.. إذ إن الخديو إسماعيل الذى حكم مصر من عام 1863 إلى عام 1879 كان يهوى الجمال، وعندما قرر إنشاء أول كوبرى معدنى يصل بين القاهرة وجزيرة الزمالك، حيث قصر الجزيرة، رأى أيضًا أن يجعله تحفة معمارية.. ولذلك عمد إلى تجميله بوضع أربعة سباع، اثنين على مدخله من ناحية القاهرة، واثنين عند نهايته من الجزيرة.. كعادة الأوروبيين فيما كانوا يقيمونه. وهذا الكوبرى بدأت شركة فيف ليل الفرنسية فى إقامته عام 1869، وافتتح للمرور يوم 10 فبراير 1972 وتكلف 108 آلاف جنيه فقط، وهو بذلك أول كوبرى معدنى على النيل من منابعه إلى مصبه!!. وكان طوله 406 أمتار. وكلف «الخواجة جاكمار» بوضع السباع الأربعة. وتكلفت 1685 كيسة وكسورًا. وثمن التماثيل كان 90 ألف فرنك أى 1465 كيسة و425 قرشًا. ولما وصلت السباع إلى الإسكندرية تم شحنها إلى القاهرة عن طريق النيل وترعة المحمودية، وتكاليف النقل من باريس للإسكندرية هى 216 كيسة و185 قرشًا، وتم إرسال ثمنها إلى الخواجات جيليوم وجيروم عضوى مجلس العموم فى باريس!!، وتم تزيين الكوبرى بها.. واستمر الكوبرى فى الخدمة مدة 60 عامًا. إلى أن قرر الملك فؤاد- ابن إسماعيل- إعادة إنشاء كوبرى جديد محله بعد أن تم هدمه فى مارس 1930 وتكليف شركة دورمان لونج الإنجليزية بإنشائه، وتكلف 308250 جنيهًا و250 مليمًا، وافتتح للمرور عليه- بواسطة الملك فؤاد- فى منتصف عام 1933، وأطلق عليه اسم والده الخديو إسماعيل اعترافًا بفضل منشئه الأول. وأصبح طول الكوبرى الجديد «الحالى» هو 382 مترًا و20 سم، وأعيد تركيب الأسود الأربعة على مدخليه، ولكن بارتفاع أقل مما كان عليه وضعها فى الكوبرى القديم. وكان وزنه المعدنى 3360 طنًا أى ضعف الكوبرى القديم.. وعرضه 20 مترًا. والطريف أن كل كان من يرغب فى عبور الكوبرى القديم من الحيوانات والبشر والعربات كان عليه أن يدفع رسومًا مالية، كما نشرتها الوقائع المصرية فى عددها يوم 27 فبراير 1872، أى بعد 17 يومًا من افتتاح الكوبرى للمرور، وكان لكل من يعبر أن يدفع هذه الرسوم حتى الأغنام والماعز. مع إعفاء الأطفال حتى 6 سنوات، المارين مع أقاربهم. وخصصت هذه الرسوم للإنفاق على تشغيل الكوبرى وصيانته، ومن ضمنها رسوم عبور النعاج والغزال والحلوف والدببة برسوم 10 فضة للواحدة!!. ** وهكذا أطلق العامة صفة «أبوالسباع» على الخديو إسماعيل تكريمًا له بسبب هذه السباع الأربعة.. ونتذكر هنا أن الدولة أطلقت على هذا الكوبرى اسم جمال عبدالناصر عند وفاته.. لكن الاسم القديم ظل صامدًا رغم عوادى الزمن، لأن قرارات الشعوب أقوى من أى مراسيم حكومية.. ليظل هذا الكوبرى هو أشهر كبارى القاهرة بعد أن أصبح «كوبرى» للنزهة فى شهور الصيف حتى الآن!!.