بعد 28 يومًا من تلقى نحو مليون شخص الجرعة الأولى من لقاح كورونا، أثبتت دراسة فى اسكتلندا انخفاض نسبة الأشخاص الذين احتاجوا الدخول للمستشفى، حيث وصلت إلى 85٪ بعد تلقى لقاح فايزر، و94% بعد تلقى لقاح أكسفورد، بما يعنى أن اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد «كوفيد- 19» لن توفر حماية فورية من المرض، ولكن الأمر يستغرق عدة أسابيع، وخلصت آراء الأطباء ونتائج دراسات إلى أنه لا يمكن الحكم على أن اللقاحات يمكن أن تحمى من المرض تمامًا، وأن تناول جرعة واحدة لا تكفى للوقاية، ولابد من تناول جرعتين. وقال الدكتور محمد إبراهيم، أستاذ المناعة بطب المنيا، ل«صحتك بالدنيا»: «حصدت جائحة كورونا عشرات الآلاف من المرضى فى العالم، من ضمنهم الذين تلقوا الجرعة الأولى من اللقاح المضاد للفيروس، فكان من المفترض أن يتلقوا الجرعة الثانية لتوفير الحماية الكافية أسوة بمعظم اللقاحات، فقد خلصت دراسة أمريكية إلى أن الأشخاص الذين تلقوا جرعة واحدة من اللقاح الثلاثى، الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية، أكثر عرضة للإصابة بالحصبة من نظرائهم الذين تلقوا جرعة ثانية بأربعة أضعاف، وقد تفشت الحصبة فى مناطق لم تحصل فيها نسبة كبيرة من الأشخاص على الجرعة المعززة للقاح الثلاثى». وأضاف إبراهيم: «أهمية الجرعات المعززة تكمن فى أنها تحسن الاستجابة المناعية لتحقيق أفضل النتائج فى الوقاية من المرض، فعندما يدخل اللقاح إلى الجسم فإنه يُنشط نوعين مهمين من خلايا الدم البيضاء، أولهما الخلايا اللمفاوية (b أو البائية)، التى تنتج أجسامًا مضادة، لكن هذه الخلايا قصيرة العمر، ولهذا فإن الأجسام المضادة التى تنتجها قد تتضاءل أعدادها سريعًا بالجسم فى غضون أسابيع، خاصة فى حالة عدم الحصول على جرعة ثانية من اللقاح، أما النوع الثانى فهو الخلايا (T أو التائية)، التى تكون كل خلية منها مبرمجة لاستهداف مسبب أمراض معين وقتله، وتبقى هذه الخلايا فى الجسم لعقود، حتى تصادف هدفها مرة أخرى، ولهذا قد توفر بعض اللقاحات أو الإصابات حماية من المرض مدى الحياة، لكن فى أغلب الأحيان لا يوجد هذا النوع من الخلايا بكثرة فى الجسم إلا إذا غزا مسبب الأمراض الجسم مرة ثانية، ولهذا تعد الجرعة الثانية وسيلة لتعريض الجسم مرة أخرى للمستضدات، أى الجزيئات الموجودة على مسببات الأمراض التى تثير استجابة مناعية»، موضحًا أنه عندما يتم الحصول على الجرعة الثانية تزيد خلايا الذاكرة «التائية» و«البائية» فى الجسم، وتنتج هذه الخلايا أجسامًا مضادة أكثر تخصصًا. وأوضح إبراهيم أنه عند التعرض لنفس اللقاح أو مسبب الأمراض للمرة الثانية تكتسب الخلايا البائية المتبقية من المرة الأولى القدرة على الانقسام، ومن ثم ترتفع مرة أخرى أعداد الأجسام المضادة التى تدور فى الجسم، بينما تحفز الجرعة الثانية من اللقاح عملية «نضج الخلايا البائية»، التى تتضمن اختيار الخلايا غير الناضجة ذات أفضل المستقبلات للارتباط بمسببات أمراض معينة، ولهذا تكون الأجسام المضادة التى تنتجها أكثر قدرة على استهداف مسبب الأمراض، ومن هنا تكمن أهمية الجرعة الثانية. ونصح أستاذ المناعة بتناول تطعيم اللقاحات المتوفرة، فجميعها نتائجها ممتازة، مشددًا على ضرورة اتباع الإجراءات الاحترازية حتى بعد أخذ الجرعة الأولى، لأنها لن توفر الحماية فى وقتها بل تستغرق عدة أسابيع، وكذلك الأمر نفسه بعد الجرعة الثانية، فوفقًا للدراسات لابد من اتباع الإجراءات الاحترازية لمدة تتراوح بين أسبوع وأسبوعين، وذلك يرجع لسببين، أولهما أن الشخص لن يكون محصنًا تمامًا ضد المرض، وثانيهما أنه لا يوجد دليل بعد على أن الحصول على اللقاح سيقى من الإصابة بالفيروس ونقل العدوى للآخرين، فبعض المصابين لا تظهر عليهم أعراض المرض، ولا توجد أدلة بعد تثبت أن جرعة واحدة أو حتى جرعتين من اللقاحات الحالية ستمنع المصابين من نقل العدوى للآخرين، أو عدم إصابته مرة أخرى، حتى الآن، فكلها مازالت تجارب قيد الدراسة. ولفت إلى أن المراحل الأولى من تجارب اللقاح أثبتت أن جرعة واحدة لا توفر الحماية الكافية من المرض، كما أنه لوحظ فى المرحلة الثالثة من التجارب أن الأجسام المضادة والخلايا التائية فى الدم بعد جرعتين كانت أكثر منها بعد جرعة واحدة، مؤكدًا أن اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد لن توفر حماية فورية من المرض، إذ يستغرق الأمر أسابيع حتى ينتج الجسم أجسامًا مضادة، وتضاعف الجرعة الثانية الحماية التى يوفرها اللقاح، ولهذا من الخطأ الاكتفاء بالجرعة الأولى، مستدركًا فى الوقت نفسه أن هناك مشكلة تكمن فى أن جميع اللقاحات المجازة حاليًا تستخدم تقنيات جديدة، وهو ما يصعّب تقييم مدة الحماية التى توفرها الجرعة الأولى، ففى الأسبوعين الأولين بعد الحصول على اللقاح لن تكون محصنًا من المرض، مهما اختلفت الحماية التى توفرها الجرعة الأولى من أى من اللقاحات المضادة.
