يقول الفقهاء «لا تستشيروا من ليس فى بيته دقيق.. فإن عقله ذاهب».. وبالقياس فلا يلومن أحد أسر وأصدقاء الشهداء فى التحرير.. فإن دماء الشهداء مازالت ساخنة جدا وتذكرنا بالعار إذا سكتنا على القتلة.. كانت هناك مليون طريقة لفض المظاهرات فى شارع محمد محمود بدل أن يُطلق رصاص على الشباب الثائر أو حتى على بعض الشباب الغشيم أو حتى على البلطجية.. ثم إنك لا تستطيع أن تفرق بين الثائر وغيره فى حشود تقدر بمئات الآلاف أو فى مليونية.. فلِمَ هذا الجنون غير المبرر فى الاستخدام المفرط للقوة، خاصة بعد نجاح الثورة وثقة المصريين فى أن الأمن لن يطلق رصاصة واحدة على مصرى يتظاهر كى يعبر عن رأيه. سألنى رجل أمن.. ناس بتهجم على وزارة الداخلية.. فكيف نتعامل معهم فى رأيك؟.. قلت له زى البوليس الأمريكانى.. رش مساحيق الفلفل الأسود، واستطاع تفريق المتظاهرين دون أى خسائر فى الأرواح.. وطبعا مفهومة حالة الارتباك الشديدة عند الأمن ولكن دم المصريين لن يذهب هدرا أو هباء.. ولن يغفر الشعب هذه الجرائم أبدا وإن طال الأمد.. ستحدث ملاحقات للقتلة داخليا ودوليا ولن تموت قضيتهم لأنها ببساطة قضية كل مصرى نزل إلى ميدان التحرير وتصور أن الرصاص القاتل كان من الممكن أن يصيبه هو.. أو يخنقه الغاز. غضب على غضب على غضب.. مشروع جدا ولكن يجب ألا يعمينا الغضب فتستمر الحرائق والاضطرابات وتتوجه إلى القوات المسلحة أو المجلس العسكرى.. قل ما شئت فى كل المخاوف المشروعة وفى الإدارة المرتبكة للأزمة وللبلاد، وافترض ما شئت من سوء النوايا ولكن تذكر دائماً أن عمود الخيمة الأخيرة فى بلدنا هو المؤسسة العسكرية.. ومهما حاولت الفصل بين المجلس الأعلى والقوات فهذه مسألة محفوفة بالمخاطر وسوف تحدث ارتباكاً وانقساماً شديدين ليس فى الجيش فقط ولكن فى الشعب أيضا. وما العمل إذن؟.. الحل هو التركيز على الرئيس القادم والبرلمان القادم.. كلها شهور قليلة تؤدى فيها حكومة الجنزورى أو غيره مهامها فى أشهر معلومات ومعدودات.. ومن هنا علينا أن نفكر أبعد خطوة من الأزمة الراهنة.. حتى لا نصحو فنجد تيارا سياسيا احتكاريا يستحوذ على العملية الديمقراطية.. ويمارس نوعا جديدا من الإقصاء على القوى الوطنية الأخرى.. لن يرحل المشير دون خسائر فادحة.. ولا يتمنى أحد أى انقلابات عسكرية تمزق وحدة الجيوش المصرية.. ومن المهم أن نتعامل مع هذه المسألة بحساسية شديدة وبإحساس عميق بالمسؤولية الوطنية وأن البلاد لا تحتمل مزيدا من التصدع.. ما الضمانات؟.. أولاً: ميدان التحرير.. ثانيا: جذوة الثورة المتقدة والصاحية والواعية لأى عمليات التفاف.. ثالثا: المزاج السياسى العالمى الداعم للربيع العربى وللتحرر.. ما أروع فى هذه اللحظة الفارقة أن تسبق شجاعة العقول شجاعة القلوب ونعى التحديات ونستمع لصوت العقل يقول «مصلحة مصر تقتضى وحدة الأمة» ولكننا لن ننسى أن.. الحساب بعدين.