أخبرنى د. هاشم بحرى، أستاذ الطب النفسى، بكارثة اجتماعية مرعبة، فقد صرح لى بأن معدل انتحار الأطفال، خاصة البنات، فى مصر قد زاد، وأن اكتئاب الأطفال قد أصبح ظاهرة تثير الفزع والحزن على مستقبل مصر، وحكى لى قصة آخر مريضاته من الأطفال التى تبلغ السابعة من العمر، والتى حاولت الانتحار بالقفز من البلكونة ثم بإلقاء نفسها أمام سيارة مسرعة.... إلخ، والسبب هو الأهل الذين يصرون على تحجيبها فى هذه السن وإلباسها الخمار، ويعزلونها ويكبتونها و«يكبروها قبل الأوان» ويقتلون تفتحها وانطلاقها ويلوثون براءتها، وأعتقد أن معظمكم سيستنكر قائلاً: معقول الأطفال تكتئب؟! ماذا لو ذهبت إلى الطبيب بطفلك يشكو من متاعب صحية وأخبرك الطبيب بأن طفلك مكتئب؟!، من المؤكد أنك ستبتسم راثياً لحال الطبيب الذى حتماً ستتهمه بالجنون، أو على الأقل ستطالب باسترداد قيمة الكشف لاعناً اليوم الذى ذهبت فيه إلى هذا الطبيب!، فنحن نؤمن بأن الاكتئاب يقتحم حياتنا نتيجة كثرة التفكير، لدرجة أن العامة يصفون المهموم «بأن عنده فكر»، والتفكير نفهمه على أنه لمن تخطوا حاجز سن المراهقة وجلسوا ورحرحوا على شاطئ النضج أو بر الشيخوخة، ونعتقد أن الطفل كائن هلامى أو عروسة باربى ليست له رغبات أو ردود أفعال ولا يعرف ما هو الحزن، فالطفل عندنا ضحكة بريئة، أو على الأصح ضحكة بلهاء، ولم يفلح الأطفال المصريون الذين قرأنا عن حوادث انتحارهم فى إنقاذنا من هذا التصور. للأسف هذا الإيمان وذلك الاعتقاد خاطئ، بل أقول إنه خطيئة لأنه يعمى عيوننا عن رؤية الحقيقة الواضحة وضوح الشمس، وهى أن الأطفال مثلهم مثل الكبار يكتئبون، ولكن المأساة أنهم لا يعبرون ولا يشكون، ولذلك يتضخم حزنهم، ويتعملق اكتئابهم حتى يسد كل مسام البهجة والحياة، ويغلق كل نوافذ الأمل، والمأساة الأكبر أن التنفيس غير مسموح به لهؤلاء الصغار فهو شقاوة ورذالة وزن ودلع ماسخ.. إلى آخر هذا القاموس الذى نتداوله لكى نعكس عقدنا وكلاكيعنا على أطفالنا. فى بداية القرن العشرين كان العلماء يشاركوننا هذا الاعتقاد، ويجزمون بأنه لا اكتئاب عند الأطفال، وظل الحال على ما هو عليه حتى بداية السبعينيات التى وضع فيها الباحث وينبرج صفات الاكتئاب عند الأطفال وتفرقته عن المزاج غير المعتدل، أو الحزن غير المرضى الذى لا يدوم إلا لفترة زمنية بسيطة وينتهى ويزول مع زوال السبب، ولكن ما هى علامات الاكتئاب عند الأطفال التى تدق للأم والأب جرس الإنذار لتنبههم إلى أن هناك خطراً محدقاً؟ قبل أن نشرح أعراض اكتئاب الأطفال نتمنى أن يسأل كل أب وكل أم نفسه هذه الأسئلة: هل يصرخ طفلك بصورة مزعجة عما قبل؟، هل يشعر طفلك باليأس والفراغ؟، عندما يحدث ما لا يتمناه هل يحس بأن حياته بلا جدوى؟، هل يعانى طفلك من اضطرابات فى النوم؟، هل فقد طفلك اهتماماته وأنشطته السابقة؟، هل يفضل أن يقضى وقته وحيداً منعزلاً عن أصدقائه وعائلته؟، هل اكتسب أو فقد وزناً كبيراً فى الأسابيع الماضية؟، هل يتعب طفلك ويفقد حماسه سريعاً؟، هل حاول طفلك إيذاء نفسه متعمداً؟