بقلم: خالد الشموتي في غضون أيام قليلة من وقت كتابة هذه السطور، سيكون قد أتم المصريون عشرة أشهر على بداية ثورة يناير. و هي في تقديري فرصة لتقييم المشهد بعد أن أظهرت أطيافا فكرية عريضة، كسرت حاجز الخوف و العزلة. بداية أؤمن أن خالق هذا الكون خلقه بقانون منظم، يسري علي جميع مكوناته و يمكن القياس عليه، و جعل لنا حرية التفكر و التدبر. كان الكون الذي نراه حاليا في بداية تكوينه ذو حجم صغير، أصغر من نواة الذرة نفسها، و في جزء صغير جدا من الثانية، مر الكون بحقبة تضخم هائلة نتج عنها تحوله فجأة إلى حجم التفاحة أو يزيد و ما زال يتمدد حتى الآن. كان من أكثر ما يميز الكون قبل التضخم وجود اهتزازات و اضطرابات عشوائية. المثير أن التضخم لم يكن على نطاق الحجم فقط، بل نتج عنه أيضا تضخم للاضطرابات فتضاعفت مع تضاعف حجم الكون، و أصبحت فيما بعد عاملا مهما في تكوين الكون بالصورة التي نعرفها اليوم. ما يمر به المجتمع المصري أشبه بحد كبير بهذا السيناريو، حيث كان المجتمع غارقا في العشوائية الفكرية و الاجتماعية على على مستوى الفرد، و استقرار ظاهري في القاع على مستوى الدولة. إلى أن مر في وقت ضئيل -مقارنة بحقبة العشوائية التي كان بها- بتضخم سريع، أطاح بغطاء الإناء، و لم يكتف فقط بإخراج جميع ما في داخله، بل أخرجه مضاعفا، مشحونا بطاقة و زخم كبيرين. لذا فمن المنطقي أن تكون السمة التي يمر به المجتمع هي نتاج تضخم عشوائية الفرد الفكرية و الاجتماعية لتنعكس على جميع المستويات بدأ من المشهد السياسي و انتهاءا بعبور الطريق ساعة الذروة. ليس من الصعب إدراك هذا بداية من تخبط قرارات القوى السياسية بما فيها القوة السياسية الحاكمة للبلاد التي لا تدرك مدى أهمية أخذ أو عدم أخذ القرارات الحرجة في الأوقات الحرجة، مرورا بأحزاب أغلبها لا يحمل أي منهج علمي في طريقة العمل، نتج عن ذلك ظهورهم بشكل طلبة الصف الابتدائي الذي غاب عنهم مدرس الفصل فرقصوا فرحا فهناك من يأكل، و آخر يضرب زميله و آخر يفاوضه و آخر ينتظر عودة مدرس الفصل ليشكو من ضربوه. خروج العديد من التيارات الفكرية في حالة كهذه هو باب في ظاهره الرحمة و باطنه العذاب. حيث أدى ذالك بالضرورة إلى الاحتكاك بين التيارات الفكرية المختلفة و الذي بدوره أنتج عدم وجود منهجية و ملامح واضحة يستطيع الفرد أن يصف و يناقش بها أفكاره دون تجريح أو تخوين غيره. و هو معذور في ذلك، حيث أنه إما أن يكون ملما بأفكاره و طريقة عرضها بشكل علمي في مواجهة من لا يجيد ذلك، فتكون النتيجة حوار مسدود بدون معالم أو نتيجة. أو أن يفتقد كلاهما للشكل العلمي في عرض الأفكار و دحضها و تفنيدها، و في هذه الحالة يتحول الاختلاف الفكري إلى مرتع لكل ما هو غير أخلاقي. ظهور الفوضى و العشوائية في ما سبق بدءا من القوى السياسية و الحوار بين التيارات المختلفة على مستوى الجمع، مرورا بظهورها على المستوى الأصغر كالحرف و المهن و الوظائف و المقرات و المباني الحكومية منها و الغير حكومية، انتهاءا بالتصرفات الفردية داخل المنزل و الأماكن العامة، هو نتاج مضاعفة العشوائية الفكرية داخل المنزل و المدرسة. فعلى مدار سنوات من التعليم الجامعي المهتريء الذي بدوره نتاج تعليم ما قبل جامعي مشوه لعقلية الطالب، مصاحب لبيئة في المنزل و الشارع لا تعترف بأي منهج علمي لأنها إما نتاج نظام التعليم الجامعي المهتريء أو بدونه أصلا، يقودنا إلى حلقة مفرغة يبدو للوهلة الأولى أن لا خلاص منها، و لكن الحقيقة أن نظرية التضخم الكونى، تقول لنا عكس ذلك تماما. هذه الاضطرابات الكونية التي تضاعفت في الكون، كانت العامل الرئيسي في تكوين الكون بالشكل الذي نراه الآن فكونت المجرات و النجوم و التي بدورها بعد فترة من الزمن نتج عنها نظامنا الشمسي الذي نحيا فيه حتى الآن باستقرار. على مقياس كبير، يمكن أن نصف كوننا بأنه متجانس و متماثل. الوصول لهذه المرحلة في المجتمع يتطلب مجازيا ما مر به الكون، الفترة الزمنية التي نحتاجها للوصول هي دالة تعتمد على عاملان أساسيان لا يتجزآن؛ التعليم المحترم و القانون الموحد. التعليم المحترم، هو المرحلة الأسمى من التعليم الجيد. التعليم المحترم هو أكبر قضية أمن قومي للبلاد و العباد. التعليم الجيد هو مسؤلية الدولة متمثلة في وزارة تعليمها، و لكن التعليم المحترم هو مسؤلية الفرد الشخصية و مسؤولية المنزل و مسؤولية الدولة متمثلة في جميع وزاراتها ليس التعليم فقط، و مسؤولية كل نفس مصرية تتنفس على الكرة الأرضية أينما كانت. أما القانون الموحد، فيتمثل في العدل و الحق، في الفيزياء لا يمكن لذرة غاز الهيدروجين أن يحدث لها مصيرا مختلفا عن ذرة هيدروجين أخرى تحت نفس الظروف. ذالك لأنهم يخضعون لقانون واحد يسري على جميع الذرات بلا استثناء. و أستطيع أيضا أن أقول أن العدل في المجتمع و احترام القانون هما جزئيا نتاج من الشرط الأول لانتاج مجتمع متماثل و متجانس. أنا متفائل جدا، ليس فقط لأن ذلك بطبيعتي، بل أيضا لأن القوانين الكونية تخبرني ذلك. أيها السادة، كلمة السر هي: التعليم المحترم. [email protected]