بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴿الأحزاب:70﴾ قال القرطبى: الطيف والطائف معنيان مختلفان .. فالطيف مصدر طاف الخيال يطوف طيفاً .. ولم يقولوا من هذا طائف في اسم الفاعل. قال السهيلي: لأنه تخيل لا حقيقة له .. فأما قوله تعالى: "فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ﴿19﴾ - القلم" فلا يقال فيه "طيف" لأنه اسم فاعل حقيقة. قال الزجاج: طفت عليهم أطوف .. وطاف الخيال يطيف. إذاً "الطائف" هو الذي يطوف بالشيء ويتحرك فى إطاره .. و"الطائفة" مفهوم مشتق من (طاف يطوف فهو طائف) .. فالبناء اللفظي يحمل معنى تحرك جزء من كل دون أن ينفصل عنه .. بل يتحرك في إطاره وربما لصالحه. إذاً "الطائفة" هى اجتماع عدد من الأفراد فى جماعة فرعية لها انتماءات أوسع وأعلى. وقد تم مزج مفهوم "الطائفية" ذات المكون العددى مع مفاهيم أخرى ذات مضمون فكرى أو فسلفى أو عرقى أو مذهبى فتحول إلى التعبير عن فاعلية خاصة منفصلة عن فاعلية الأمة (الانتماء الأعلى) .. وبذلك أصبح مفهوم الطائفية يستخدم بديلا لمفاهيم "الملة والعرق والدين" التي كانت سائدة قبل ذلك. واختلطت هذه المفاهيم جميعاً فأنتجت مفهوم "الطائفية" باعتباره تعبيراً عن حالة أزمة .. حيث أصبحت "الطائفية" مذهباً وإيديولوجيات وهوية حلت محل الهويات الأخرى والانتماءات الأعلى وقد تسعى للتصادم معها وأخذ موقعها. إن مجرد الانتماء إلى طائفة لا يجعل الإنسان طائفياً .. كما أن سعيه لتحسين أوضاع طائفته - دون الإضرار بحقوق الآخرين - لا يجعله طائفياً .. ولكن "الطائفى" هو الذي يرفض الطوائف الأخرى وينكر حقوقها أو يكسب طائفته تلك الحقوق التي لغيرها تجاهلاً لها أوتعصباً ضدها. فالطائفية ليست نتاج الاختلاف وانما هى نتاج التعصب المبتذل .. لأنها لا تقبل المشاركة العادلة .. بل ترفض التعايش مع الآخر وتهدف الى إقصائه أو تهميشه. إذاً "الطائفية" قضية سياسية/اجتماعية بالدرجة الأولى وبالتالى تحتاج إلى أن ينظر اليها من هذا المنظور. وأرى أن الطائفية لا توجد فى مجتمع إلا فى ظل الظروف التالية: أولا: ممارسة الدولة الظلم والتمييز ضد طائفة بسبب انتماءاتها الدينية أو الفكرية .. وقد يكون هذا التمييز في حق ممارسة الشعائر أو في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أو فى التهميش السياسى أو في الاقصاء الثقافى. وتكون المشاعر الطائفية هنا عبارة عن رد فعل الطائفة المظلومة لمقاومة الظلم الواقع عليها.وإن موقف الطوائف الأخرى غير المظلومة - في معادلة السلطات التي تعتمد في بقائها على ممارسة سياسة "فرق تسد" - يكون عاملاً بالغ الأهمية في مسلسل الطائفية .. فإن طبيعة ذلك الموقف سيؤدى إما إلى التأجيج عندما تكون الطوائف الأخرى طرفاً أو حتى غير مهتمة وإما إلى التخفيف عندما تكون متعاطفة ومساندة. ثانياً: انتهازية زعامة الطائفة .. عن طريق إضفاء بعداً طائفياً لكل ما قد يقع من أحداث تمس فرداً من الطائفة .. للحصول على "عصبية" تمكن هذه الزعامة من تشديد قبضتها على الطائفة .. وصولاً إلى أهداف غير تلك المعلنة. وتكون المشاعر الطائفية هنا عبارة عن رد فعل الطوائف الأخرى تجاه ممارسات مستفزة لزعامة الطائفة .. مما يؤدى إلى زيادة إنعزالها .. وبالتالى تزداد مشاعر التعصب لدى أفراد الطائفة حيث لا يجدون ملاذاً غيرها. ثالثاً: التدخل الخارجي لتأجيج الطائفية في كل المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة وخصوصاً العربية .. بهدف تفتيت مجتمعات الأمة العربية وتجزئتها. وازدادت كثيراً خطورة هذا العامل بدخول الولاياتالمتحدةالأمريكية كفاعل رئيسى يستخدم كل مكونات الطائفية سعياً للسيطرة التامة على الحكومات ومن ثم على الشعوب وصولاً إلى السيطرة والاستحواذ على الثروات. وإن بدا سعى الولاياتالمتحدة إلى تأمين مصالح لها .. فلا يفوتنا أن كل ما يؤثر بالسلب على تماسك المجتمعات العربية يصب فى صالح اسرائيل وتعزيز مكانتها فى المنطقة العربية على حساب الحقوق العربية المشروعة. ولن تجدي مع الطائفية تصنع العواطف والمجاملات السطحية والحملات الاعلامية .. ولا الولائم المتبادلة التي يقيمها رموز الطوائف لبعضهم بعضاً .. وإنما ما يجدى هو اعتبارها قضية سياسية/اجتماعية تنتهي بانتهاء أسبابها.ومن هنا فإن الطريق الأقصر ليس في مهارة اطفاء حرائق الطائفية التي لا تلبث بعد حين حتى تشتعل من جديد .. وإنما فى ترسيخ مبادىء المواطنة والعدل كأساس لحياة سياسية تحكم ممارستها الحقوق والواجبات وسيادة القانون التى تسرى على الجميع بلا تمييز.