وصف معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى قانون الانتخابات المصري الجديد بأنه «أحدث انتكاسة» لعملية التحول الديمقراطي في مصر، مطالبا الولاياتالمتحدة بتشجيع مصر على سن نظام انتخابي أكثر شفافية. وأضاف المعهد، في مقال نشره على موقعه الإلكتروني الجمعة، للباحث المتخصص في الشؤون المصرية إريك تراجر، إن قانون الانتخابات «المعقد» صمم لصالح الأحزاب الكبيرة، و«يكفل تمثيلا جيدا لأعضاء الحزب الوطني السابق، ويجعل من المستحيل على الأحزاب الليبرالية الصغيرة منافسة الأحزاب الكبيرة». وأشار المعهد إلى أنه منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك تطالب أحزاب المعارضة بعقد الانتخابات وفقا لنظام التمثيل النسبي، والذي نجحت فيه بشكل نسبي من قبل عندما كان يطبق بين عامي 1984 و1990، واستطاعت أحزاب المعارضة في ذلك الوقت الفوز ب 20% من الأصوات، مقابل أقل من 10% في معظم الانتخابات بعد ذلك. وقال المعهد إن المجلس العسكري قاوم مطالب المعارضة بحجة عدم دستورية إجراء الانتخابات بموجب نظام التمثيل النسبي وحده، لأنه سيستبعد المرشحين المستقلين، مشيرا إلى أن أعضاء الحزب الوطني السابق أصبحوا الآن مستقلين، بعد حل الحزب، وعدد كبير منهم مازال يحظى بشعبية وسمعة طيبة في قراهم، متوقعا أن ينجح رموز الحزب أو أقاربهم في مناطق الصعيد والدلتا، التي مازالت العائلات الكبيرة المتحالفة مع الحزب الوطني المنحل، تتحكم بالحياة السياسية فيها. وقال المعهد: «هذا النظام وضع ليشكل البرلمان المقبل من أكثر قوى سياسية غير ليبرالية في مصر، وهي الإخوان المسلمين وأعضاء الحزب الوطني السابق، وهذا سيلقي بظلاله على مستقبل مصر الديمقراطي». وحث المعهد الإدارة الأمريكية على تشجيع المجلس العسكري لسن قانون انتخابي «أكثر شفافية»، والاستمرار في دعم منظمات المجتمع المدني المدافعة عن الديمقراطية، والتأكيد على ضرورة وقف التحقيقات مع هذه المنظمات، مشيرا إلى أن هيئة الأممالمتحدة يمكن أن تلعب دورا في تقديم النصيحة للقاهرة لخلق نظام انتخابيا أكثر انفتاحا. وفي سياق متصل، قال مدير برنامج السياسة العربية بالمعهد ديفيد شنيكر: «نظرا للبيئة المائعة في مصر ما بعد الثورة، يتعين على واشنطن أن تكون حكيمة حول موعد وكيفية محاولة ممارسة النفوذ على المشهد السياسي الداخلي»، مشيرا إلى أن المشهد السياسي المتغير يمثل تحديا لواشنطن، التي كانت تنظر إلى القاهرة منذ فترة طويلة على أنها شريك إقليمي رئيسي، مطالبا واشنطن بدعم المجتمع المدني، وأن تعرض على مصر توقيع اتفاقية تجارة حرة. وأضاف في مقال تحت عنوان «مصر: التحول السياسي والسياسة الأمريكية»، إن مسار التحول السياسي في مصر لا يزال «غير مؤكد»، في الوقت الذي يستمر فيه الاقتصاد في التدهور، ويبدو أن «جماعة الإخوان المسلمين، وأبناء عمومتهم السلفيين الأكثر تشددا، مستعدين للفوز بأكثرية الأصوات في الانتخابات البرلمانية المقبلة»، لافتا إلى أن «الأمر الذي يثير نفس القدر من الحذر هو أنه للمرة الأولى منذ اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، قد يكون السلام بين مصر وإسرائيل معرضا للخطر». وتابع شنيكر إن الثورة فرصة لتحويل مصر من دولة قائمة على المعونات إلى بلاد تعتمد على الإيرادات الضريبية، يمكن فيها للمواطنين محاسبة قادتهم بشكل أفضل، لكن هذا التحول لن يكون سهلا، وسيستغرق شهورا لتحقيق العدالة الاجتماعية التي قامت من أجلها الثورة، وهذا قد «يؤدي إلى الغليان مرة أخرى، وهو ما سيصب في صالح الإسلاميين في مصر»، على حد تعبيره. وقال إن الظهور المتوقع للإسلاميين يجعل من الجوهري أن يتم إدخالهم ببطء في عملية صنع القرارات الاقتصادية، وفي حال السماح لهم بفرض أعراف اجتماعية أكثر صرامة، سوف تهتز ثقة المستثمرين الأجانب، كما أن التعافي الاقتصادي في مصر سيشهد المزيد من التأخر. وتوقع شنيكر أن تحصل جماعة الإخوان المسلمين على 30 – 35% من مقاعد البرلمان المقبل، وأنها ستحظى بأغلبية تمكنها من السيطرة على الهيئة التشريعية وتعيين أعضاء اللجنة التي ستتولى صياغة الدستور المصري الجديد، وقال: «حتى لو نجحت جماعة الإخوان في السيطرة على البرلمان، فسوف تفعل ذلك فقط عن طريق ائتلاف أحزاب متباينة أيديولوجيا، وليس من خلال أغلبية مطلقة، وهذا سيرغمها على التنازل عن بعض مواقف المنظمة الأكثر تشددا». وقال شنيكر إن المؤسسة العسكرية تتمتع بوضع مميز في الاقتصاد، حيث تعمل في مجال الزراعة، وتدير الشركات، وأضاف: «الجيش سيتخذ خطوات لحماية هذه المصالح، منها التأكد من عدم تقليص ميزانيته والعمل عل منع محاكمة ضباطه بتهمة الفساد أو ارتباطهم مع النظام القديم، والحفاظ على معاهدة السلام». وتابع: «لتحقيق هذه الأجندة، يحتاج الجيش إلى رئيس متعاطف معه، رغم أن قدرة المجلس العسكري على التأثير على الانتخابات الرئاسية المقبلة لا تزال غير واضحة»، مشيرا إلى أن الجيش سيحتفظ بدور مؤثر، ولو من وراء الكواليس، في الحياة السياسية، لأنه يدرك أن استمرار حكمه يجعله في وضع خطير، فلا يمكنه أن يتحمل بشكل روتيني اتخاذ إجراءات صارمة في ضبط الشارع، لأنه يخاطر بالابتعاد عن الجمهور، الذي يعتمد حكمه على ثقته.