«كأنها ساحة حرب».. شهادات «الجيش الأبيض» عن 45 يومًا بمستشفى العزل بالعجمي

«مشفناش عيالنا وبيوتنا من أكثر من شهرين كاملين.. واللي مزعلنا إن مفيش تقدير لجهدنا وعملنا في ظل الظروف الاستثنائية في البلد لكننا ننتظر الجزاء من الله».. بتلك الكلمات استهل عدد من أفراد الطاقم الطبي بمستشفى العجمي النموذجي في الإسكندرية (مستشفى العزل لمصابى فيروس كورونا المستجد)، حديثهم ل«المصري اليوم» لرصد انطباعتهم وأرائهم بعد نحو 60 يومًا في العزل.
وقالت الدكتورة ميرفت السيد، مدير المستشفى، إنها تعدت الشهرين دون أن ترى بيتها وأولادها، مضيفة أنها تبذل كل جهدها لأداء واجبها عبر تقديم الخدمة الطبية للمصابين وتلبية طلباتهم ورصد الاحتياجات من المستلزمات الطبية المطلوبة فيما يتعلق بوباء «كورونا».
وأضافت مدير المستشفى: «في بداية تنفيذ العزل للمصابين واستقبال المرضى كنا نعاني من نظرة المقيمين بجوار المستشفى، لدرجة أنهم كانوا يخافوا منا ويرفضون رؤيتنا من النوافذ والأبواب، إلى أن اتضحت لديهم الرؤية وظهر لهم ما نقوم به من مجهود لاسعاف المرضى والتعامل معهم، فتغيرت النظرة تجاهنا، وأصبحوا يتعاملون معنا ويرسلون لنا مياه شرب تضامنا مع ما نفعله من أجل شفاء المصابين».
الدكتورة تيسيير مجدي، نائب مدير المستشفى، قالت ل«المصري اليوم»، إنها على الرغم من كونها متزوجة ولديها أسرة وأولاد ومتطلبات زوجية، إلا أنها تركت كل ذلك خلفها للقيام بواجبها تجاه المرضى المصابين بفيروس «كورونا»، وتابعت: «لم أر زوجي وأولادي منذ أكثر من 45 يومًا.. أنا سايبة بيتي علشان أعالج العيانيين، وهذا الأمر لا يسبب ضيقًا على الإطلاق لأني أقسمت اليمين الطبي، وعليَّ مسؤولية أمارسها، إلا أن ما يؤثر في نفسي هو ما ألمسه من عدم تقدير لما يبذله الطاقم الطبي بالمستشفى من مجهود».
وقارنت نائب مدير مستشفى العجمي بين مريض «كورونا» عندما يأتي إلى المستشفى ووقت خروجه بعد شفائه، قائلة: «عند مجيئه يرى الدنيا من خرم إبرة وكأنها ضاقت عليه، وبعد شفائه يخرج مهللا وكأنه ولد من جديد، وهذا أكثر شيء يسعدني على المستوى الشخصي»، مشددة على أنها لا تنتظر الجزاء من أحد ولكنها تؤدي عملها بأمانة، وهو ما تجدد النية يوميا على القيام به.
في السياق ذاته، قالت الدكتورة سمر أحمد، طبيبة صيدلانية، إنها قضت ما يزيد على شهر ونصف بين جدران المستشفى دون أن ترى أولادها وأسرتها، مضيفة أن جميع أفراد الطاقم الطبي في المستشفى مستعدون لمضاعفة تلك المدة حتى يأتى اليوم الذي نعلن فيه النجاح في شفاء كل المرضى.
وأشارت إلى أن أسرتها تتفهم طبيعة عملها في ظل الظروف الاستثنائية المرضية الحالية في البلاد، وأن عليها مسؤولية مجتمعية وطبية لا يمكن تركها لأي سبب، موضحة: «مستشفيات العزل أشبه بساحات الحروب لا يجوز الهروب منها أو ترك المرضى فريسة لهذا الفيروس القاتل«.
والتقطت طرف الحديث أمل حامد، رئيس فريق التمريض بالمستشفى، والتى أصيبت بالفيروس وترقد حاليا في حجرة عزل بالطابق الثالث، قائلة: «عندي ثقة كبيرة في ربنا والطاقم الطبي الموجود في العمل على شفائها وتعافيها تماما من الفيروس مثل باقى المرضى»، مؤكدة أنها تمارس عملها من حجرتها من خلال شخذ الهمم لزملائها والثبات من أجل الاحتفال بشفاء جميع المصابين بالمستشفى.
وأوضحت: «الطاقم الطبي يتعامل مع المصابين باعتبارهم جزء منهم، حيث تتراوح مدة بقائهم في المستشفى بين 14 و22 يوما، هو ما يظهر في اللقطات الإنسانية مع المرضى الذين يتعافون ويخرجون من العزل، من خلال شراء التورتات وبوكيهات الورود لهم.
على صعيد متصل، قالت آية جاد، فني صيانة أجهزة طبية: «لم أغادر المستشفى منذ 45 يومًا لأهمية وجودنا لتقديم الخدمة للمصابين، حيث أقوم بصيانة الأجهزة الطبية التي يعالج بها المرضى»، مستطردة: «لو جهاز تنفس صناعى مثلاً تعطل وعليه مريض ماذا يحدث له؟، سيفقد حياته. الأمر الذي يحتم علينا التواجد في المستشفى حتى لو طال الأمد لأكثر من شهرين أو 3 شهور».
واختتمت حديثها: «بكون في غاية السعادة وأنا أودع مرضى تعافوا، وأقوم بالغناء لهم حتى نترك عندهم ذكرى جميلة تعوضهم عن الأيام التي قضوها بين جدران المستشفى في مواجهة الفيروس اللعين».