استعادت الحياة السياسية فى مصر مسيرة المرأة المصرية التى خرجت بالحبرة واليشمك فى ثورة 1919 مع ثورة 25 يناير إذ قضت المرأة ثمانية عشر يوماً فى الميدان. ولم تكن مشاركتها بدعوة من مؤسسة أو حزب، لكن من أجل الكرامة والحرية وإحساسها بدورها المجتمعى.. وبينما استأثر البعض بشهد الميدان إذا جاز التعبير جنت هى بعضاً من الشوك والمرارة مرة بالتشكيك فى الأعراض والأخلاق، وثانية بأعزاء فقدتهم. وفى الوقت الذى يتذكر فيه المجتمع المصرى بأكمله أحداث الثورة، بقدر كبير من التفاؤل والأمل، فهناك من يتذكرها بالأسى وهم أمهات الشهداء اللواتى قدمن أولادهن فداء لكرامة الوطن. تقول أم الشهيد «ولاء الدين حسين»: أفتقد «ولاء» فهو ليس أول فرحتى فقط لكنه كان عائلنا الوحيد رغم صغر سنه، تحمل المسؤولية بعد وفاة زوجى وكان ينفق على البيت وعلى أخيه (7 سنوات)، والآن أعمل على توفير لقمة العيش فى ظل ظروف صعبة على أمثالنا، واللى كان بيسأل علينا أيام الثورة لم يعد يفعل ذلك، وتختم كلامها والدموع تغالبها: ده كله قدر ومكتوب وأنا بدعى ربنا يكون مقامه الجنة هو وزملاته ويعينى على الجاى». سميرة عبدالمنعم (20 سنة) طالبة بكلية الآداب تتذكر أيام الميدان قائلة: من يوم 25 يناير وأنا فى الميدان، لولا تشجيع والدى مكنش موقفى هيبقى، كده خاصة بعد الكلام الذى كان يردده البعض عن الانفلات الأخلاقى بين الولاد والبنات فى التحرير، وفى موقعة الجمل كنت أخلع بلاط الشارع لأقذف به فلول الحزب الوطنى، وفى لحظات شعرت بالموت لكننى رجعت لحياتى، الآن حاجات كتير تغيرت بداخلى وأصبحت أكثر ثقة فى نفسى وأستطيع الآن أن أغير نفسى والعالم وأن أصنع مستقبلى لكن أنا حزينة لأن المجتمع لم يشعر بمدى أهمية مشاركة المرأة فى الثورة، والبعض يريدون أن يسرقوا منها القليل من الحقوق التى حصلت عليها وأقول لهؤلاء: الزمن مابيرجعش بضهره، الزمن دايماً بيمشى لقدام. منى عبدالله محاسبة وأم لابنين بالثانوى تقول: بعد ما حدث أصبحت لدى نظرة جديدة للأشياء فقد«صرت أتعالى على الهفوات الصغيرة، وأكثر من الصلاة والدعاء بعودة الأولاد سالمين، فمنذ يناير الماضى وحتى هذه اللحظة تغيرت عاداتنا فى الخروج نهائيا، فمازالت الأخبار تتوارد عن وجود البلطجية ومهاجمتهم النساء والبنات خصوصاً، ولا أترك ابنتى وابنى يذهبان إلى دروسهما بمفردهما بل أحرص على توصيلهما، وأتحفظ على حركة أبنائى يوم الجمعة، فالأحداث تشتعل فيه دون باقى أيام الأسبوع. ويحلل الدكتور أحمد شوقى العقباوى أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر، المشهد العام قائلاً: تواجدت المرأة بجوار الرجل لمدة 18 يوماً فى الميدان دون أن تسجل حالة تحرش واحدة وكان مشهداً مثالياً، إلا أنه بعد أن هدأت الأمور سرعان ما عادت ثقافة المجتمع التى تعامل المرأة كموضوع جنسى وترفض ظهورها كشريك، خاصة مع سيطرة التيار الإسلامى مؤخراً كماً ونوعاً، لكن المجتمع يجب أن يشجع المرأة لتكون دائماً فى طليعة المشاركين فى الأحداث المصيرية لأنها صانعة الحياة وحاميتها. وعن الأم يقول العقباوى: الأم المصرية ليست كالأم الفلسطينية التى اعتادت تقديم شهداء فالصراع دائم على أرض بلادها، ونحن فى مجتمع بلا صراعات وعندما تفقد الأم ابنها فى مظاهرة سلمية، فإن الأمر يكون صعباً، لذا يجب دائماً تذكيرها بأن ابنها الشهيد حى يرزق عند ربه مع تعويض المجتمع لها بمزايا مادية كمعاش استثنائى وفرص تعليم مجانية لأبنائها، أما بالنسبة للخوف على الأبناء فهو أمر طبيعى وشرعى فى كل المجتمعات.