بملابس جديدة وابتسامة علت وجوههم، كان 6 أطفال فى انتظار أتوبيس عند مسجد المحطة بقرية مزغونة فى البدرشين، يقودهم إلى إحدى حدائق حلوان. ولكن قبل وصول الأتوبيس، تسقط «مقطورة» جرار زراعى على الأطفال، ليلقى الطفل بلال أحمد، مصرعه، ويصاب شقيقه وطفلان شقيقان، واثنان آخران، الجمعة الماضى، فيما تأمر النيابة العامة بحبس سائق الجرار 4 أيام، حسب تصريحات أهالى الضحايا ل«المصرى اليوم». تذكر هدى أحمد، والدة الطفلين: «بلال»، 12 سنة، و«يوسف»، 7 سنوات، يوم الحادث بمزيد من الأسى، عندما طلب ابنها الضحية، وهو أصغر أبنائها، إعداد السندويتشات التى يحبها «حلاوة وجبنة بالطماطم»، وكيس شيبسى، فيما بدت السعادة على وجهها هى أيضًا، لمرافقتها ابنيها خلال الرحلة التى أعدتها مؤسسة الجمعية الشرعية للأطفال الأيتام بحدائق حلوان. تتابع هدى: «صباح يوم الحادث، طلب منى بلال أن «أحممه»، وأجهز له ملابسه الجديدة بنطلون جينز أسود وتيشيرت أصفر، ونظارته الشمسية الصغيرة كى يكون شبه ممثلى السينما، ومنحنى الكثير من القبلات، كأنه يودعنى». خرجت السيدة الأربعينية برفقة طفليها إلى مسجد المحطة، فى انتظار قدوم الحافلة، وبينما تقف إلى جوار أحد الأسوار، طلب منها نجلاها الوقوف مع أصدقائهما بجوار مطب صناعى، على بعُد مسافة 3 أمتار من مكان وقوفها. تروى والدة الضحية أنه بعد 5 دقائق من تحرك طفليها، قدم جرار بمقطورة محملة بالطين والأسباخ لتسقط على الأطفال الواقفين مع بعضهم، ليكتسى يوم الحفل بلون دمائهم. ومن صدمة الأم، توقعت أن بإمكانها رفع المقطورة عن الأطفال، فحفرت فى الطين للعثور على جسد طفليها، قبل أن تستعين بلفيف من الأهالى الذين نجحوا فى مهمتهم، وعثروا أولاً على ابنها «يوسف»، وكان مصابًا ببعض الجروح، وتمنت الأم أن يكون الحال مماثلاً لنجلها الثانى «بلال». وتكمل هدى حديثها: «الناس عثروا على جسد بلال غارقًا أسفل الطين، وحملوه بسرعة إلى سيارة الإسعاف التى حضرت إلى موقع الحادث». سألت الأم المكلومة سائق سيارة الإسعاف عن ابنها «آخر العنقود»: «عايش ولا مات قول لىّ»، لم يحدثها السائق، انطلق بسيارته، فتعلقت الأم بالسيارة حتى كادت تسقط أسفل عجلاتها، ليتوقف السائق ويأمر باستقلالها السيارة إلى جواره، فيما أخبرها المسعفون: «الواد متعور بس». «بكيت فور وصولى مستشفى الحوامدية، كان ابنى توفى فور سقوط المقطورة عليه، والمسعفون حاولوا تهدئتى ليس إلا»، هكذا قالت «هدى». لا تطالب أم الطفل بلال بشىء سوى الدعاء له بالرحمة، وتبتسم حين تتذكر طموحه الدراسى أن يكون طبيبًا فى المستقبل، لتؤكد أن الضحية اعتاد الذهاب إلى حفل يوم اليتيم الذى تنظمه «الجمعية الشرعية» منذ 3 سنوات، وأن والده توفى قبل 5 سنوات. «نجونا من الموت. بس إحنا زعلانين على صاحبنا اللى مات».. بصوت مبحوح وكلمات تسبقها الدموع، تحدث صالح عبد المنعم، وشقيقه تهامى، عن تفاصيل الحادث، إذ قالا: «إحنا واقفين كلنا فى انتظار أتوبيس الرحلة، لقينا الجرار بالمقطورة جاى علينا، وعند المطب سائق الجرار معرفش يطلع بالمقطورة فوقعت فوق مننا». روى الطفلان، اللذان أصيبا بكدمات وكسور بمناطق متفرقة من جسديهما، عقب خروجهما من المستشفى، أن صديقهما الضحية «بلال» لقى مصرعه، لأن «المقطورة والطين كله وقع عليه»، وأضافا: «سمعنا من الدكاترة أن صاحبنا مات لأن رقبته إتكسرت خالص». وعقب الحادث، يخشى الطفلان الناجيان من الموت الذهاب إلى أى رحلات مرة أخرى، وعبرا عن ذلك بقولهما: «آخر مرة نروح أى رحلة، سواء للاحتفال بعيد اليتيم أو غيره». وقال «صالح»، 13 سنة: «عاوز أكون دكتور علشان أعالج الأطفال»، ورد عليه شقيقه «تهامى»، 15 سنة: «وأنا أكون ضابط شرطة علشان أقبض على السائقين المتهورين». بكلمات مليئة بالعفو، قالت أم الطفلين إنه يمكنها التنازل عن محضر الشرطة ضد السائق المتهم: «إحنا راضيين بقضاء ربنا، رغم الجراح التى أصابتنا». ولا يزال الطفل عبد الرحمن محمد، 10 سنوات، يخضع للعلاج بمستشفى الحوامدية، إثر إصابته بكسور فى الحوض، وتمنى الشفاء: «عاوز أخف وألعب مع صحابى»، مستدركًا أنه نطق الشهادتين فور وقوع مقطورة الجرار الزراعى عليه، وكان فى زيارته الطفل أحمد محمد، 12 سنة، أحد الناجين من الموت، والذى أكد أنه أصيب بجروح بسيطة، لكنه «زعلان على صاحبى اللى مات واللى إتصابوا جامد». وتحفظت قوة من قسم شرطة البدرشين على السائق المتسبب فى الحادث، ويدعى «أحمد سعد»، 39 سنة، مقيم بقرية مزغونة، والذى أرجع سبب الحادث إلى عطل مفاجئ فى الجرار، لتأمر النيابة بحبسه 4 أيام. وتوجه النائب صبحى الدالى إلى منزل الأطفال المصابين، ووقع على «جبس» أحدهم، متمنيا له الشفاء، فيما توجهت الدكتورة هناء سرور، وكيل وزارة الصحة بالجيزة، إلى المستشفى لزيارة المصابين، قائلة: «تفقدت الحالات بمستشفى الحوامدية للاطمئنان على صحتهم، وتم تقديم الرعاية الطبية اللازمة وهم الآن فى حالة مستقرة».
