تعلموا من النحل!

بعضنا كل ما يهمه من العسل أنه غذاء طيب، لذيذ.. ولا يعرف أن ملعقة عسل النحل، التى نأكلها فى لحظة، هى ناتج عمل وجهد وعرق عشرات الألوف من النحل.. وأن النحل ينتج ليأكل غيره.. بل هو نموذج على حب العمل.. فلا النحل توقف عن العمل وإنتاج العسل.. ولا الناس توقفوا عن تناول العسل، أى هو نموذج للعطاء بلا حدود.. وبلا انتظار لشكر من أحد.. ولو من أحد الآكلين.
والدرس هنا أن الله سبحانه وتعالى يعلمنا المعنى الحقيقى للعمل الجماعى بلا ملل، وربما يكون الألمان.. واليابانيون.. وأخيراً الصينيون هم الشعوب الوحيدة التى عرفت المعنى الحقيقى، والدرس الذى يعطينا إياه النحل.. وقد كنا - نحن كل المصريين- زمان من هذه الشعوب التى تقدس العمل.. وضرب الله لنا مثلاً آخر على تقديس العمل.. ذلكم هو النمل الذى يشقى ويعمل ليخزن الطعام لكل الآكلين من النحل.. أى العمل الجماعى.. لخدمة الكل.. دون انتظار لشكر.. هذان الدرسان اللذان يعلمنا بهما سبحانه وتعالى من أهم الدروس الربانية.
وعودة لعسل النحل نجد أن جودته تتحدد بالغذاء الذى يحصل عليه النحل.. هناك عسل البرسيم - من زهرة البرسيم - وعسل الموالح.. ولكن أفضله هو عسل السدر الجبلى وبالذات عند مزارع الحبة السوداء التى هى حبة البركة.. هنا يتحول هذا العسل إلى شفاء من الأمراض.. وفى جنوب السعودية - بالذات فى منطقة جبال عسير وحيث تهامة - يوجد أفضل أنواع العسل.. ولا يشترط أن يكون العسل هنا شفافاً ذهبى اللون بل أحياناً يجود العسل كلما كان لونه قاتماً.. وتمتد منطقة عسل السدر الجبلى إلى اليمن، عبر سلاسل جبال البحر الأحمر، حيث تعشش أسراب النحل فى فجوات الكهوف ونتوءات الجبال، وليس هنا مجال البوح بثمن الكيلو الواحد من عسل السدر الجبلى هذا لأنه بآلاف الريالات.
ولا ينافس عسل النحل الجبلى السعودى واليمنى إلا عسل جنوب وشرق ألمانيا، وربما تكون جبال منطقة ميونخ هى الأفضل لإنتاج هذا العسل.
ومرة دعانى الأمير خالد ابن الملك الشهيد فيصل عندما كان والياً على عسير، لنقضى معه أياماً فى مدينة أبها.. وهى من أجمل مدن السعودية.. وعلى الإفطار - فى بيته هناك - وجدنا مائدة الإفطار، وكان أبرز ما فيها أنواعاً من عسل النحل.. ولأن أستاذنا الراحل أنيس منصور كان يعشق عسل النحل.. فقد طلب منى أن أحرك طبق العسل الأبيض من أمامى.. ففعلت بكل ترحيب، ولكنى حجزت لنفسى طبقاً من العسل الأسود الغامق، هنا تبسم الأمير خالد، وقال للأستاذ أنيس: «عباس ضحك عليك.. لأنه احتفظ لنفسه بأفضل عسل هو عسل السدر الجبلى وأزاح عن مكانه العسل الأبيض».. وبالمناسبة يمكن أن تمضع قطعة من شمع العسل لتكتمل لك مزايا هذا العسل الذى هو شفاء للناس.. وأفضل مادة لتطهير الفم والحنجرة والمعدة إذا تناولته على الريق مع لقيمات من الخبز السعودى.. أو استخدمته عند شرب الشاى!!