قَسَم السيسى

القَسَم الذى أقسمه الرئيس السيسى، فى ختام الاحتفال بافتتاح محطات الكهرباء العملاقة، أعادنى 78 عاماً للوراء، عندما أقسم ونستون تشرشل السياسى العجوز شديد الدهاء ووعد شعبه البريطانى، فى مايو 1940، بأنه ليس عنده «للشعب ما يقدمه سوى الدماء والكد والدموع والعرق».
إذ بعد أن انسحب تشامبرلين من رئاسة وزراء بريطانيا عقب فشله فى إقناع هتلر بالجنوح إلى السلم، بعد أن اجتاحت قواته حدود بولندا واحتلتها فى ليلة واحدة.. وتولى تشرشل رئاسة الوزارة ليقود بلاده وللتصدى لأطماع هتلر، بعد أن صمم هتلر على تدمير بريطانيا.. هنا قال تشرشل قوله المأثور: ليس عندى ما أقدمه لكم إلا الدماء والكد والدموع والعرق.. وقاد بلاده فى أشرس معركة عرفتها على طول تاريخها.
وقرر تشرشل تجنيد كل شىء لخدمة المعركة وتوفيره للجيوش المتحاربة، إذ قرر مثلاً صرف بيضة واحدة للفرد فى اليوم. وثلاث قطع سكر فقط فى اليوم.. ووافق الشعب، وعاش حياة كلها تقشف، وعمل من أجل تحقيق النصر لشعبه.
وتحمل الإنجليز ما لم يتحمله أى شعب آخر.. ولكن الشعب تحمل.. تحمل مرتين، الأولى خلال سنوات الحرب الرهيبة التى طالت لمدة 6 سنوات.. والثانية لكى يعيد بناء ما دمرته الحرب.. ونجح الشعب البريطانى بفضل صموده وصمود قيادته التى خصصت كل شىء من أجل «معركة بريطانيا»، فانتصر الشعب.. وانتصرت بريطانيا.
واستمعت ومعى كل المصريين للقسم الذى أقسم به الرئيس السيسى فى ختام احتفال تشغيل محطات الكهرباء العملاقة. إذ قال الرئيس السيسى بكل الجدية المشهود له بها: «قسماً بالله لو كان الموضوع وجبة واحدة فى اليوم أعيش بها.. وأبنى بلدى.. أقسم بالله لأقعد بقية عمرى كله آكل وجبة واحدة فى اليوم لبناء الدولة المصرية. والرئيس يقصد هنا أن يتحمل الشعب ويتقشف ويقلل استهلاكه لكى يوجه كل الجهد لبناء الدولة والوطن.
وكأن الرئيس يريد هنا أن يبدأ الشعب خطة شديدة القسوة ليوفر ما تحتاجه خطة بناء الدولة.. وإن كان ذلك يقتضى أيضاً أن تنفذ الدولة خطة طموحة للتقشف.. وما قسم الرئيس هنا إلا لكى يبدأ بنفسه.. وكل شىء يهون من أجل إعادة بناء الوطن.
■ ■ والرئيس هنا يعلنها بكل وضوح: أنه يبدأ بنفسه ويكتفى بوجبة طعام واحدة.. فهل تلبى الحكومة قَسَم الرئيس وتبدأ برنامجاً للتقشف حتى يستجيب الشعب لنفس البرنامج؟. هذا هو مغزى قَسَم الرئيس السيسى صباح أمس الأول وهو يحتفل مع كل المصريين بافتتاح أكبر محطات من نوعها فى العالم كله.
نحتاج فعلاً إلى برنامج قومى للتقشف تبدأه الحكومة لينطلق الشعب وراءها.. هل هذا صعب؟!