ملفاتنا بين أيدي هؤلاء الجواسيس

قبل سنوات ليست ببعيدة، كانت الأخبار الكاذبة مجرد «شائعات» يطلقها البعض بين الحين والآخر، والهدف منها إما لفت الأنظار إلى شخص أو حدث معين، وإما بالعكس، إلهاء الناس عن حدث ما، لينشغلوا بالأخبار السطحية، ولا ينتبهون إلى ما يحصل حقيقة في الكواليس.
في زمن الفيسبوك والتويتر والانستغرام واليوتيوب، صارت الشائعات والأكاذيب ملحنا اليومي، موجودة على كل الموائد، تقدَّم لنا في أطباق متنوعة من السياسة إلى الاقتصاد والصحة والرياضة والدين والأحداث الأمنية والفن والتعليم والسياحة.. ولا تستثني طبعاً أعراض الناس.
من نصدق ومتى وأين؟ من المروّج للشائعات والفتن؟ لم يعد الأمر مجرد أحاديث وأقاويل نسمعها هنا وهناك، بل وصل الأمر إلى تقليد أصوات المسؤولين، وفبركة تسجيلات صوتية ونشرها باعتبارها تصريحات على ألسنتهم.
كلنا معرض اليوم للوقوع في فخ «التزوير العام». إنه النفاق الإلكتروني الذي يشعل الخلافات بين الشعوب والمسؤولين، وبين السياسيين وبعضهم البعض، وبين الأطراف المتنازعة والمتصارعة، فتتأجج النيران ويكبر الشقاق وتقع حروب باردة أو حامية.
التزوير الإلكتروني يأخذ طابعاً رسمياً وليس مجرد «لعبة» أو «مزحة» ثقيلة. تحذير من أغذية فاسدة يصيب الناس بهلع وتكدس البضاعة في الأسواق، ثم يتبين أنها مجرد كذبة. تهويل وتضخيم وبث رعب في النفوس، وتشويه الواقع ليشعر المرء بأن البلد الفلاني تحول إلى جحيم ولا مجال للعيش فيه، وويل لسكانه وما يعانون منه ويكتمون، بينما المتجول في الشوارع والمتنقل في الأحياء نهاراً ومساء، يدرك جيداً أن «السوشال ميديا» تفبرك الذعر الأمني لأغراض سياسية وخدمة لجهات «مجهولة».
الشائعات ملح التواصل الاجتماعي، تكبر وتتضخم لتقدم خدمة ثمينة، وعن غير قصد منها، للإعلام الحقيقي بكافة وسائله. بانتشارها تنقشع الرؤية، ويعود المجد للإعلام صاحب المصداقية، والخبر المؤكد. هو المعروف المصدر، ومعروف أيضاً من نحاسب حين تخرج الشائعة من منبر إعلامي. كل أوراقه مكشوفة، حتى الإعلام المسيّس، نعرف مصدره والهدف منه.
كنا نخاف من «الفيروس» الذي يضرب أجهزتنا الإلكترونية ويسرق حساباتنا وبريدنا، حتى صار التواصل نفسه فيروس سريع الانتشار. رسائل احتيالية يقوم من خلالها البعض بسرقة حسابك على «الواتس أب» ويتم استخدامه لاحقاً في عمليات احتيال ونصب على ضحايا آخرين، ومنها أيضاً يتم ارتكاب جرائم إلكترونية، وهي حقائق تحذر منها شرطة أبوظبي مثلاً وتشن حملات لتوعية الناس بمخاطرها وعواقبها. عدا رسائل الاحتيال الروتينية والمعروفة، والتي تصل عبر مختلف الوسائل لتهنئك بكسب مبلغ مالي ضخم، وبأنك أصبحت فجأة من الأثرياء. ومن يدخل إلى صفحتك رغبة في التعرف، والمخادعين الذين يتصيدون الأطفال والمراهقين..
مارك زوكربيرج اعترف بجريمة إلكترونية تحصل عبر «فيسبوك»، حيث تقوم شركة «كامبريدج أناليتيكا» البريطانية باستخدام غير مشروع لبيانات المستخدمين، فهل «تويتر» و«انستغرام» و«جوجل» والبريد الإلكتروني والهواتف النقالة بريئة من تهم مماثلة؟ ألا تتجسس علينا ونحن نمدها بالمعلومات والصور والأدلة والبصمة ليكتمل ملفنا بدقة بين أيدي هؤلاء الجواسيس؟
marlynsalloum@gmail.com