تفاعل مع فيديوهات توثق شوارع مصر أثناء فيضان النيل قبل بناء السد العالي: «ذكريات.. كنا بنلعب في الماية»    الإثنين أم الخميس؟.. موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 للقطاع العام والخاص بعد قرار رئيس الوزراء    "مستقبل وطن" يتكفل بتسكين متضرري غرق أراضي طرح النهر بالمنوفية: من بكرة الصبح هنكون عندهم    سعر الجنيه الذهب في السوق المصري اليوم يسجل 41720 جنيها    لبحث الجزر النيلية المعرضة للفيضانات.. تشكيل لجنة طوارئ لقياس منسوب النيل في سوهاج    الوضع آمن بكفر الشيخ ولا زيادة بنهر النيل ومتابعة لأراضى الطرح على مدار الساعة    الرد على ترامب .. أسامة حمدان وموسى ابومرزوق يوضحان بيان "حماس" ومواقع التحفظ فيه    هيئة عائلات الأسرى المحتجزين فى غزة: على نتنياهو إصدار أمر فوري ببدء المفاوضات    ماكرون: التزام حماس بتحرير الرهائن يجب أن تتبعه خطوات دون أى تأخير    احتفاء واسع وخطوة غير مسبوقة.. ماذا فعل ترامب تجاه بيان حماس بشأن خطته لإنهاء حرب غزة؟    القيادي بالفصائل الفلسطينية موسى أبو مرزوق ل"الجزيرة": وافقنا على خطة ترامب بعناوينها الرئيسة كمبدأ.. وتطبيقها يحتاج لتفاوض    جيش الاحتلال الإسرائيلى يقتحم بلدات فى نابلس ويعتقل شابين فلسطينيين    أسامة نبيه يعلن تشكيل منتخب الشباب لمواجهة تشيلى فى كأس العالم    تغييرات في تشكيل الزمالك المتوقع لمواجهة غزل المحلة بالدوري    هدافو دوري المحترفين بعد انتهاء مباريات الجولة السابعة.. حازم أبوسنة يتصدر    الاتحاد السكندرى يقرر صرف مكافآت ومستحقات اللاعبين بعد استعادة الانتصارات    أبرزها قناة kids5 وmbc3.. ترددات قنوات الكارتون للأطفال 2025    سافيتش يرفض عرض يوفنتوس ويتمسك بالاستمرار مع الهلال    إصابة كفاراتسيخيليا تبعده 10 أيام عن باريس سان جيرمان    موعد امتحانات شهر أكتوبر 2025 لصفوف النقل.. التعليم تحدد تفاصيل أول اختبار شهري للطلاب    مصرع شاب بطلق ناري في مشاجرة بأسوان    مصرع فتاة وإصابة آخرين إثر حادث سيارة في منشأة القناطر    «عايزين تطلعوه عميل لإسرائيل!».. عمرو أديب يهدد هؤلاء: محدش يقرب من محمد صلاح    الصحف المصرية.. أسرار النصر عرض مستمر    الوادى الجديد تحتفل بعيدها القومى.. حفل فنى وإنشاد دينى.. وفيلم بالصوت والضوء عن تاريخ المحافظة    6 أبراج «روحهم حلوة»: حسّاسون يهتمون بالتفاصيل ويقدمون الدعم للآخرين دون مقابل    عمرو دياب يشعل دبي بحفل ضخم.. وهذه أسعار التذاكر    جنات: كنت أحب كاظم الساهر وأريد أن أتزوجه    سفير السويد يزور متحف المجوهرات الملكية بالإسكندرية    جنات: صلاح الشرنوبي قيمة فنية كبيرة أثرت الفن المصري بالكثير    محيط الرقبة «جرس إنذار» لأخطر الأمراض: يتضمن دهونا قد تؤثرا سلبا على «أعضاء حيوية»    عدم وجود مصل عقر الحيوان بوحدة صحية بقنا.. وحالة المسؤولين للتحقيق    المنيا: سقوط توك توك في حفرة صرف صحي أمام وحدة صحية بأبو قرقاص دون إصابات    متحدث «الري»: أديس أبابا خزّنت كميات مياه ضخمة بالسد الإثيوبي قبل الموعد لأسباب إعلامية    إضراب في إيطاليا بعد اعتراض البحرية الإسرائيلية سفن أسطول الصمود المتجهة لغزة    لحل أزمة متضرري طرح النهر، مستقبل وطن يشكل لجنة ميدانية للمتابعة اليوم    سيمنيو يقود بونموث للفوز على فولهام بثلاثية في الدوري الإنجليزي    سعر التفاح والموز والفاكهة بالأسواق اليوم السبت 4 أكتوبر 2025    سعر الدولار مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية فى بداية الأسبوع السبت 04-10-2025    سعر طن الحديد والاسمنت بسوق مواد البناء في مصر اليوم السبت 4 أكتوبر 2025    في زفة عروسين، مصرع فتاة وإصابة آخرين خلال تصادم سيارة ملاكي بسور خرساني بمنشأة القناطر    ضبط 108 قطع خلال حملات مكثفة لرفع الإشغالات بشوارع الدقهلية    أمطار لمدة 24 ساعة .. تحذير بشأن حالة الطقس : «أول تقلبات أكتوبر»    لزيادة الطاقة وبناء العضلات، 9 خيارات صحية لوجبات ما قبل التمرين    الشطة الزيت.. سر الطعم الأصلي للكشري المصري    وكيل جهاز المخابرات السابق: المصالحة الفلسطينية لم تعد أولوية في ظل الوضع الحالي    المحاسب الضريبى أشرف عبد الغنى: الإرادة السياسية للرئيس السيسى سر نجاح التيسيرات الضريبية    العقيد محمد عبدالقادر: إنجاز أكتوبر كان نصرًا عربيًا بامتياز    داء كرون واضطرابات النوم، كيفية التغلب على الأرق المصاحب للمرض    هل يجب الترتيب بين الصلوات الفائتة؟.. أمين الفتوى يجيب    حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة... تعرف عليها    جامعة قناة السويس تنظم مهرجان الكليات لسباق الطريق احتفالًا بانتصارات أكتوبر    مواقيت الصلاه في المنيا اليوم الجمعه 3 أكتوبر 2025 اعرفها بدقه    افتتاح 3 مساجد بمراكز محافظة كفر الشيخ    فضل الدعاء في يوم الجمعة    رسميًا.. البلشي وعبدالرحيم يدعوان لعقد اجتماع مجلس الصحفيين من جريدة الوفد الأحد    ضبط متهمين بالتعدي على طلاب أمام مدرسة بالمطرية    تكريم 700 حافظ لكتاب الله من بينهم 24 خاتم قاموا بتسميعه فى 12 ساعة بقرية شطورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دى أوليفيرا فى أول أفلامه بعد سن المائة يصنع تحفة نادرة
نشر في المصري اليوم يوم 18 - 05 - 2010

تحصل أفلام المسابقة فى أى مهرجان على أفضل أوقات العروض وأكبر عدد من العروض، ولكن هذا لا علاقة له بالقيمة، إن العديد من الأفلام التى تعرض خارج المسابقة أكثر قيمة من بعض أفلام المسابقة، فعرض أى فيلم داخل أو خارج المسابقة يكون لاعتبارات متعددة، ولكن ليس من بينها أن أفلام هذا البرنامج أكثر أو أقل قيمة من البرنامج الآخر.
ومن أحداث مهرجان «كان» 2010 الكبرى الفيلم البرتغالى «حالة أنجيليكا الغريبة» إخراج مانويل دى أوليفيرا الذى عرض فى افتتاح برنامج «نظرة خاصة» خارج المسابقة. وقد علمت أن إدارة المهرجان طلبت عرض الفيلم فى المسابقة ولكن مخرجه فضل العرض خارجها. ولم أندهش من ذلك، فقد حصل على جائزة لا تقارن مع سعفة «كان» الذهبية ولا أى جائزة على الأرض، بحصوله على منحة إلهية من خالق السماوات والأرض بوصوله إلى سن المائة، واستمرار قدرته على الإبداع، فهذا أول أفلامه بعد أن بلغ مائة سنة عام 2008.
أصبح فنان السينما البرتغالى العالمى بهذا الفيلم أكبر سينمائى فى العالم عمراً، والوحيد الذى لايزال يعمل منذ السينما الصامتة، والوحيد الذى أخرج أغلب وأهم أفلامه بعد أن بلغ الثمانين من العمر. وفى مؤتمره الصحفى بعد عرض فيلمه الجديد أعلن أنه يكتب فيلمه التالى.
قلت لنفسى من البدهى أن فيلم أوليفيرا سوف يكون عن الموت، ولكن ترى هل يشعر بعد سن المائة بما شعر به شابلن بعد سن الثمانين عندما قال إنه مثل محكوم عليه بالإعدام ينتظر تنفيذ الحكم.
يبدو من خلال الفيلم، وعلى النقيض من شابلن، أن دى أوليفيرا لا يعتبر الموت حكماً بالإعدام وإنما تحريراً للروح. ولاشك أن من بين أسباب هذه الرؤية أنه لا يزال يعمل بعد سن المائة ويتمتع بصحة مناسبة على النقيض مما حدث لشابلن. والفيلم الذى صور بميزانية صغيرة لمدة شهر واحد عن سيناريو كان قد كتبه دى أوليفيرا عام 1952، ولم يتمكن من إخراجه، وقام بإعادة كتابته، وأضاف محاورات عن أزمة المناخ والأزمة الاقتصادية العالمية ليصبح معاصراً لوقت إنتاجه وعرضه.
مثل قصص القصائد واللوحات
لا توجد قصة فى الفيلم بالمعنى الذى نجده فى الأفلام الروائية الطويلة عادة، وإنما بالمعنى الذى نجده فى قصائد الشعر أو اللوحات التشكيلية.
إنها قصة إيزاك المصور الفوتوغرافى الشاب الذى يسكن فى (بنسيون) فى منطقة وادى نهر دورو فى البرتغال، ويحمض ويطبع صوره فى نفس الغرفة التى يعيش فيها. ذات ليلة يطلب من إيزاك أن يصور أنجيليكا الشابة التى ماتت بعد أيام من زفافها فى منزل عائلتها الثرية قبل أن تدفن فى صباح اليوم التالي.
وفى إحدى الصور تفتح أنجيليكا عينيها وتبتسم. يذهل إيزاك، ولكنه لا يتحدث عما شاهده، ويصبح من هذه اللحظة مشدوداً إلى أنجيليكا حتى وهو يصور الفلاحين فى حقل لأشجار الزيتون وأحدهم يغنى لهم بعضاً من أغانى الحقل، ويتابع وكأنه مسلوب الوعى مراسم الجنازة فى الكنيسة، ويحاول أن يلحق بمراسم الدفن، ولكنه يتأخر ويجد المقابر مغلقة.
على مائدة الطعام التى تجمع سكان (البنسيون) يجرى حوار حول أزمات العالم، ولكن إيزاك لا يعلق، ويصمت تماماً. وفى الليل يحلم بأن أنجيليكا جاءته وأخذته معها وطارا فى جولة حول وادى نهر دورو، وعندما يستيقظ من النوم يهتف «يا إلهى لماذا كل هذا؟!». وفى الصباح يذهب إلى المقابر ومرة ثانية يجدها مغلقة، فيجرى نحو حقل أشجار الزيتون وهناك يسقط وهو يلهث.
يتم نقل إيزاك إلى غرفته، ويأتى الطبيب لمعالجته، ولكنه لا ينطق. وفجأة يقوم من الفراش، ويزيح الطبيب، ويسقط ميتاً أمام شرفة الغرفة، وتأتى أنجيليكا من الشرفة، ونراها تأخذه وتصعد بينما جسده على الأرض.
مثل النداهة فى الأساطير القديمة
بدأ دى أوليفيرا الإبداع الفنى كرسام ونحات، وكل كادر فى فيلمه الجديد لوحة تشكيلية كاملة أبدع فيها مدير التصوير سابين لانسلين بالأبيض والأسود والألوان، وخاصة مع عدم استخدام حركة الكاميرا إلا فى المشاهد الوصفية مثل مشهد الجرى إلى حقل أشجار الزيتون. إن برواز الشرفة وبراويز النوافذ تتحول إلى إطارات للكادرات-اللوحات.
ولأول مرة يستخدم دى أوليفيرا مؤثرات الديجيتال فى مشهد الرحلة الروحية حول وادى نهر دورو، وفى مشهد النهاية. وفى كلا المشهدين المصورين بالأبيض والأسود يتأثر المخرج بعالم الرسام مارك شاجال، حيث تمتزج فى لوحاته الملائكة مع البشر ويحلقون فى سماوات مفتوحة وكأنهم معاً مخلوقات شفافة وحرة.
وبدأ دى أوليفيرا الإبداع السينمائى عام 1931 بفيلم تسجيلى قصير بعنوان «دورو»، وها هو يعود فى أحدث أفلامه ويصور فى نفس المنطقة. وهذا ليس فقط تعبيراً عن عشقه لهذا المكان، وإنما عن عشقه للطبيعة عموماً.
إيزاك لا يشترك فى المحاورات حول أزمة المناخ، ولكن دى أوليفيرا يشترك فيها بكامل فيلمه الذى يعتبر على نحو ما تحية إلى الطبيعة والعمل اليدوى وأغانى الحقول، وكل ما أصبح من الماضى البعيد كما تقول مديرة (البنسيون)، ولكن إيزاك يحبه، كما يحب التصوير بالطريقة الكلاسيكية، ولا يستخدم كاميرات الديجيتال.
وتتكامل تحية الطبيعة فى الفيلم مع رفض الآلة، الذى يتجسد من خلال شريط الصوت، وعلاقته الجدلية مع شريط الصورة، فالموسيقى مقطوعات كلاسيكية للبيانو، وتسمع وحدها فى اللقطات التى تخلو من الحوار، وعلى نفس شريط الصوت نستمع فى مشاهد متعددة إلى أصوات صاخبة ومنفرة لآلات مختلفة لا نرى مصدرها. وتتوازى تحية الطبيعة ورفض الآلة مع تحية الإبداع الفنى ممثلاً فى الفوتوغرافيا.
فالصورة تخلد اللحظة ضد العدم، وتعيد الحياة لحظة إلى العروس الميتة، وهذه اللحظة هى ذاتها التى تدعو فيها إيزاك إلى الموت مثل النداهة فى الأساطير القديمة، وتجعل من قصة الحب بين إيزاك وأنجيليكا قصة موت فى نفس الوقت.
مثل التراتيل القديمة
اللقطة الأولى فى الفيلم منظر عام للمنطقة فى الليل، وتتكرر هذه اللقطة طوال الفيلم، وتكون اللقطة الأخيرة أيضاً. فالحياة فى الفيلم دورة مغلقة فى عالمنا، ولكنها بغير حدود فى عالم آخر لا نعرفه.
ولايبدو من الفيلم إن كان دى أوليفيرا يهودياً أو مسيحياً أو لا يؤمن بأى دين، ولكن المؤكد أنه يؤمن بوجود عالم آخر، وبأن الموت ليس له موعد، مع الشباب أو الشيوخ، مع الأثرياء أو الفقراء.
فالعروس الشابة الثرية تموت بعد أيام من زفافها، والمصور الشاب متواضع الحال يموت بعد أيام من موتها. وحياة إيزاك فى (البنسيون) ليس لها دلالة تواضع الحال فقط، وإنما تعبر عن فكرة الحياة «المؤقتة» بالضرورة.
يتوجه إيزاك إلى الله مرة واحدة ليسأل «لماذا كل هذا؟!»، وليس ثمة إجابة فى الفيلم. ولكنه عندما يسأل لا يستنكر الوجود بقدر ما يعبر عن رغبته فى الفهم. المشهد الأول يسأل فيه مندوب عائلة أنجيليكا بعد منتصف الليل عن المصور الفوتوغرافى الذى يعرفه، فترد زوجته بأنه غير موجود، ويسمعه أحد الجيران فيرشده إلى إيزاك.
وكل هذا المشهد مصور فى لقطة عامة لا نرى فيها وجوه أى من الشخصيات الثلاث، وذلك للتعبير عن القدر الذى كتب على إيزاك.
وفى الكنيسة لا نرى وجه أنجيليكا فى التابوت، كما لا نرى دفنها فى المقابر، وذلك لتكون أول وآخر مرة شاهدناها فيها أثناء تصوير إيزاك لها وهى ميتة فى منزلها. وهذه حسابات دقيقة فى الإبداع الفنى المتميز حيث لا تقل أهمية ما يستبعد عن أهمية ما يستخدم من مفردات لغة التعبير.
جاء فيلم «حالة أنجيليكا الغريبة» تحفة نادرة من تحف السينما بل ومن تحف الإبداع الفنى عموماً. إنه مثل التراتيل القديمة حيث الحكمة الخالصة والجمال المطلق، ولكن بلغة السينما.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.