هل صحيح أن دولة الفساد قد سقطت، أم أن مباحث أمن الدولة وأفرادها فى الأقسام مازالوا كما هم يمارسون فسادهم الذى اعتادوا عليه؟.. هل صحيح أن تحالف أفراد هذا الجهاز «المنحل» مع الخارجين على القانون وعتاة الإجرام مازال كما كان قبل 25 يناير؟ لقد روت لى إحدى السيدات أنها تعرضت لعملية سرقة فى أحد محال السوبر ماركت الكبرى القريبة من مسكنها بالشيخ زايد يوم 20 مارس الماضى، حيث فقدت حقيبة يدها التى كانت تحوى إلى جانب حافظة نقودها كل أوراقها الشخصية، فتوجهت إلى إدارة المحل واطلعت على شريط الكاميرا التى أظهرت بوضوح وجه السيدة التى سرقتها بمعاونة سيدتين أخريين محجبتين، فتعرف عليها العاملون بالمحل وأعطوا اسمها للشاكية، قائلين إن لها عدة سوابق وإنها معروفة بقسم الشرطة، فتفاءلت الشاكية بأنها ستستعيد مسروقاتها وتوجهت على الفور إلى القسم لعمل محضر، متضمناً الإشارة إلى الشريط المسجل للسارقة، لكنها فوجئت بأن القسم رفض عمل المحضر بحجة أنهم بعد الساعة 2 بعد الظهر لا يحررون محاضر، فما كان من الشاكية إلا أن انصرفت لتعود فى اليوم التالى لعمل المحضر المطلوب، متصورة أنها تركت الأمر فى أيد أمينة، وأنها عما قريب ستتمكن من استعادة، إن لم يكن النقود التى كانت قد أعدتها لشراء حاجاتها الشهرية، فعلى الأقل الأوراق الشخصية من الرقم القومى إلى جواز السفر وكروت الائتمان البنكية ومستندات أخرى، لكن مرت قرابة الشهر دون أن يحدث شىء. وفى يوم 15 أبريل الحالى اتصلت إدارة السوبر ماركت بالشاكية لتبلغها بأنه تم ضبط السيدة التى سرقتها متلبسة هذه المرة بسرقة شنطة إحدى السيدات اليابانيات، وأنهم أبلغوا ستة أشخاص آخرين كانت قد سرقتهم أيضاً بأنه تم ضبطها حتى يتخذوا إجراءاتهم، فتوجه الجميع لعمل محضر جماعى بالقسم للسارقة التى تم ضبطها، لكنهم فوجئوا بأنه تم إيداع الشاكين جميعاً فى غرفة أمناء الشرطة مع المجرمين الموجودين بالقسم، بينما جلست السارقة فى المكتب المكيف لرئيس المباحث «واسمه موجود لدى»، وكما فعلوا مع الشاكية الأولى فعلوا مع الستة الآخرين، حيث رفضوا تحرير محضر بالواقعة ونصحوهم بالاكتفاء بعمل مذكرة فقط، مدعين أنه فى حالة المحضر ستتم الإفراج فوراً عن السارقة فى النيابة، ثم تركوهم فى القسم من الثالثة بعد الظهر حتى التاسعة مساء، وعندئذ طلبوا منهم الانصراف، قائلين: «سنتصل بكم لاحقاً لأخذ أقوالكم»، وذلك دون اتخاذ أى إجراء إزاء السارقة رغم ما ثبت من أنها مسجلة بالقسم منذ شهر يوليو الماضى، ودون أخذ أقوال المبلغين، ودون إضافة أسطوانتين تم تسجيلهما بكاميرا السوبر ماركت للسارقة متلبسة بسرقة الشاكين الستة. وبمواجهة الشاكية الأولى للسارقة فى غرفة رئيس المباحث اعترفت بأخذ الشنطة، فقالت لها الشاكية إنها على استعداد للتنازل عن المحضر لو أنها أعادت لها المسروقات، لكنها رفضت، وإزاء استفسار الشاكية عن سبب المعاملة الخاصة التى تلقاها السارقة فى قسم الشرطة ادعت السارقة أنها حامل، ثم أخذ معاون المباحث - لدى اسمه هو الآخر - الشاكية جانباً وعرض عليها أن تتنازل عن شكواها فى جميع الأحوال لأن أهل السارقة جميعهم من المجرمين. وأن لديهم الآن عنوانها ومفاتيح بيتها التى كانت فى الشنطة ولم يفتهم أن يُذكّروها أيضاً بأن البلد ليس فيه أمن الآن يحميها من شرهم، لكن الشاكية كانت تريد استعادة أشيائها، خاصة بعد أن اكتشفت أن السارقة حاولت استخدام بطاقة الائتمان البنكية الخاصة بها، فطلبت إضافة أقوال جديدة حول ذلك للمحضر، كما طلبت إضافة الأسطوانتين المسجلتين للسارقة بواسطة كاميرا السوبر ماركت، لكنهم رفضوا ذلك بحجة أن مثل هذه التسجيلات تستوجب إذناً من النيابة، رغم أن ذلك يسرى فقط على الكاميرات الخاصة، أما كاميرات المحال العامة، فيؤخذ بها دون حاجة لإذن النيابة. وهكذا تلاشى تفاؤل الشاكية وهى تعود إلى منزلها وقد أدركت أن موقفها هو الضعيف، وأن السارقة التى ضبطت متلبسة هى التى فى الموقف الأقوى، والغريب أنها حين عادت بعد ذلك إلى القسم لأخذ رقم المحضر حتى تبلغ عن فقد جواز سفرها لاستخراج جواز جديد لم تجد للمحضر الذى أخذت رقمه وجوداً، وبعد محاولات مضنية من البحث والتقصى تم العثور على المحضر الذى كان لسبب غير معروف قد تغير رقمه. والآن فإن السارقة حرة طليقة هى ومساعدتاها المحجبتان، رغم ضبطها متلبسة بسرقة السيدة اليابانية، ورغم ثبوت سرقتها بقية الشاكين من خلال الأفلام المصورة بكاميرا السوبر ماركت، فهل هذا معقول؟ هل مازالت دولة مباحث أمن الدولة قائمة كما هى تحمى الفساد وتتستر عليه؟ ألم نستعد الشعار القديم بأن الشرطة فى خدمة الشعب؟ إن ما حدث للسيدة الشاكية ولبقية الشاكين لا ينبئ بذلك، وكأن الثورة التى قامت يوم 25 يناير كانت خاصة بميدان التحرير ولم تطل بقية مناحى حياتنا بعد التى مازالت تعانى من الفساد الإدارى وفساد الذمم كما كانت من قبل. إن هذه الواقعة - وغيرها الكثير - هى ناقوس خطر يذكرنا بأن الثورة لم تقم فقط من أجل رحيل رئيس الجمهورية وإيداع وزرائه السجون، وإنما قامت من أجل إنهاء دولة الفساد بأكملها، وإقامة نظام جديد يقوم على الديمقراطية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، تلك هى دولة القانون التى تحترم المواطن وتحفظ له حقوقه التى يبدو أنها مازالت بعيدة المنال. [email protected]