لماذا تم تكليف د. زاهى حواس مرة أخرى بوزارة الآثار؟ السؤال لا يخص واقعة اجترار قرار تعيين حواس فى حد ذاته، لكنه يتسع ليشمل مشكلة المعيار الذى يتم على أساسه اختيار القيادات الجديدة، فهل نعانى فعلا من عجز فى القيادات، لدرجة أن نلجأ للأسماء نفسها التى تثير الكثير من الشكوك، أو التى تتمتع بدماثة أخلاقية دون كفاءة إدارية وسياسية؟.. هل نعيد من جديد ثنائية «أهل الثقة وأهل الخبرة» التى دفعت ضباط ثورة يوليو لوضع عضو منتدب من الضباط فى كل مؤسسة تديرها كفاءة من «العهد البائد»؟.. وهل وقع مجلس الحكم فى ثنائية جديدة تدفعه مرة لاختيار كفاءات قديمة تضمن تسيير الأعمال، ومرة لاختيار أسماء جديدة تتمتع بالنزاهة دون الكفاءة من أجل «تمرير الحال» أو ترضية الصقور الغاضبة فى المؤسسات والشوارع؟ يقول الناس إننا طردنا حكومات الفساد، وحصلنا على «حكومة شرف»، أدب وذوق وأخلاق وكلام مهذب وناعم، ولكن دون حسم سياسى واضح، فالبطء مكشوف للجميع، والملفات المعلقة تتزايد، والحالة محلك سر، فأنا شخصيا لا أجد منطقا لتأخر تغيير قيادات المؤسسات الصحفية مثلا، ثم خروجها دون قاعدة، ولا أفهم ما حدث متأخرا ومؤخرا من تغييرات فى التليفزيون، وطبعا لا أفهم ولن أفهم سر «حوجتنا» للتميمة المفروضة على آثار مصر رغم ما يثار عنها من حكايات.. هل عدمت مصر قياداتها وخبراءها من الأثريين الأكفاء بحيث لم يبق لنا إلا زاهى حواس الذى خرج من حكومة شفيق بعد أن اتضحت عدم قدرته على حماية آثار مصر وتخبطت أقواله فى بداية الثورة ما بين تعرض المتحف المصرى للسرقة من عدمه، وتناقض فى ذكر عدد القطع المسروقة؟.. ويبدو أن «حوسة الوزارة» لا تخص «حواس» وحده، لكنها تشمل أيضا الطريقة التى تمت بها «التعيينات» الجديدة لقيادات الإعلام فى الصحف القومية والتليفزيون، فقد ترقبنا التغيير مع الملايين الذين وضعوا الإعلام فى مقدمة القطاعات التى يجب إصلاحها، وسمعنا من الجميع كلاما كثيرا عن أهمية الصحافة والتليفزيون كوسائل إعلامية فى منتهى الخطورة، خاصة فى هذه الفترة الانتقالية، وانتظرنا أن يتم وضع قواعد جديدة للعمل الإعلامى تتماشى مع روح ثورة يناير وطموحات الشعب نحو التطوير والسير باتجاه المستقبل، وانتظرنا أن يتم إعلان القواعد والمعايير التى سيتم بمقتضاها اختيار القيادات الجديدة، لتدشين عهد جديد من الشفافية ووضع أسس واضحة للاختيار بعيدا عن ثنائية «التسيير والتمرير» أو «التمشية والترضية»، وتحدث الدكتور يحيى الجمل، وتحمس الدكتور يحيى الجمل، وتعهد الدكتور يحيى الجمل، وحدد المواعيد تلو المواعيد، وأخيرا «تمخض الجمل فولد أقل من حمل». فى عهد إمبراطورية صفوت الشريف بطلنا نسأل عن معايير اختيار فلان وعلان، وتعودنا على الحال المايل، واختيار من يتمتع بمواهب النفاق، وكان توسط «حسناء»، من المجهولات للناس المعروفات للكبار كافيا لكى يتدخل صفوت بك لتغيير اسم أو اثنين فى آخر لحظة، كانت البلد بلدهم، واستعوضنا ربنا فى المؤسسات الصحفية التى ظللنا نسميها «قومية» لأنها لم تعد مؤسسات الشعب ولا العاملين فيها، ولكنها ملك للنظام وحده، يفعل بها ما يشاء، ونجح الشارع فى توصيل صوته الرافض لهذه المهزلة بوسيلة فعالة وسلمية وهى الانصراف عن شراء تلك الصحف، وهو ما ظهر جليا فى تراجع أرقام توزيعها مقابل ارتفاع أرقام توزيع الصحف المستقلة والخاصة، لكن الآن من حقى وحقك أن نعرف كل شىء، ونسأل عن معايير الاختيار، وطرق الحساب، ولماذا تمت التغييرات فى صحف دون أخرى؟ وعلى أى أساس تم إقصاء بعض القيادات والإبقاء على البعض الآخر، ولماذا لم يتم الإعلان عن أن منصب رئيس تحرير شاغر، وعلى من يرى فى نفسه أنه مؤهل لهذا المنصب أن يتقدم له؟ وتتم المفاضلة بين المتقدمين طبقا لمعايير محددة، ألم يكن هذا أنسب فى هذه الفترة الثورية وأقرب لما تتم فى المؤسسات الإعلامية الكبرى فى الخارج؟ ولماذا لم تتم تسمية وزير للإعلام على وجه السرعة ليقود ماسبيرو فى هذه الفترة، بدلا من تغييرات الترضية التى جاءت بكفاءات متواضعة إداريا فوق قمة الهرم الوظيفى فى مؤسسة خطيرة مشاكلها كبيرة، حتى إن رئيس قطاع الأخبار الجديد قال فى أول لقاء تليفزيونى إنه اتصل بالدكتور سامى الشريف ليستشيره فى ظهور ضيف على الشاشة؟.. ألم يسمع المسؤول المحترم عن الثورة، وانتهاء عصر القوائم الأمنية، ألم يشاهد قيادات الإخوان على شاشة التليفزيون المصرى، أم أن العقلية القديمة ستظل تحكم ماسبيرو؟ وبدلا من مسؤول كبير كنا نقول عنه إنه «لا يهش ولا ينش» فيما يخص إدارة أحوال البلاد والعباد، سنعتمد فى الفترة اللاحقة على جيش من المسؤولين الغلابة «اللى لا بيهشوا ولا ينشوا» لكى نخدر الغاضبين، ونحول المؤسسات الاستراتيجية لدواوين مظالم، «تطبطب» على المظلومين، ونترك مهمة البناء وإعادة الهيكلة على ما تفرج؟