بنك التعمير والإسكان يستعد لإطلاق موقع إلكتروني لحجز وحدات مشروعات «المجتمعات العمرانية»    وزير البترول يبحث مع «أنجلو جولد أشانتي» توسعة قاعدة الاستثمار التعديني    البورصة المصرية تسجل قمة تاريخية جديدة متجاوزة مستوى 34 ألف نقطة    رئيس أمريكا يعلن عن اتفاق تجاري مع إندونيسيا    مصر تدين الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي اللبنانية والسورية    ضبط 126.9 آلف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 3 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    سعر اليورو اليوم الأربعاء 16 يوليو 2025 يتراجع فى منتصف تعاملات البنوك    السياحة: 80 شركة تنظم 300 رحلة سياحية صحراوية لعدد 20 ألف سائح    وزير الطاقة الأردنى: منتدى مصر للتعدين منصة مثالية لبحث آفاق التعاون    وزير التعليم العالى يترأس اجتماع مجلس إدارة صندوق رعاية المبتكرين والنوابغ    جامعة أسيوط تطلق منصة إلكترونية للتحويلات بين الجامعات والكليات    العلم .. والقدرة    رئيس الوزراء يوجه بالتعاون مع الدول الإفريقية فى تنفيذ مشروعات لتحقيق المصالح المشتركة    أول تعليق من حماس على "تقسيم" خان يونس إلى نصفين    منظمة مصر السلام: الاستقالات المفاجئة تثير تساؤلات حول الضغوط السياسية على مقررى الأمم المتحدة    أكاديمية الشرطة تستضيف دورتين تدريبيتين بالتعاون مع الصليب الأحمر    حكومة غزة: "مؤسسة غزة الإنسانية" أداة استخباراتية خطيرة    صراع خليجى على نجوم الأهلى    صفقة جديدة للأبيض.. ساعات قليلة تفصل رحيل مصطفى شلبي عن الزمالك    "لا تعجبني البالونة الحمرا".. خالد الغندور يثير الجدل: أشياء تافهة    لاعب الزمالك السابق: زيزو كان يحب النادي.. وكيف يفرط الأهلي في قندوسي؟    محمد إبراهيم يفوز برئاسة الاتحاد العربي لرياضة الفنون القتالية المختلطة «MMA»    وزير الري يناقش السيناريوهات المختلفة لإدارة المياه في مصر    تحفيظ وتهذيب وتوعية.. مساجد جنوب سيناء تُحيي رسالتها الروحية    فى عز الصيف.. الأرصاد تكشف خرائط الأمطار المتوقعة وموعدها    مصرع سائق وإصابة ابنته فى حادث تصادم سياريتين على طريق "الغردقة - غارب"    "فيديو مفبرك".. حيلة سائق لابتزاز شرطي والهروب من مخالفة بالجيزة    5 مصابين في حريق مخبز بلدي بأسيوط - صور    شاب يقتل شقيقته فى المنيا.. تعرف على السبب    ناصر عبد الرحمن يقدم ورشة كتابة السيناريو بمهرجان بورسعيد السينمائي    منير وتامر حسني يحتفلان بطرح "الذوق العالي" بحضور بنات محمد رحيم    صناع مسلسل "فات الميعاد" ضيوف برنامج "هذا الصباح" غدًا على شاشة إكسترا نيوز    الرفاعي أخرجها من المنبر.. حكاية الكوبرا السامة التي أثارت رعب المصلين بالبحيرة    تحرير 531 مخالفة ل«عدم ارتداء الخوذة» وسحب 787 رخصة خلال 24 ساعة    مدرب النصر السعودي يحدد أولى الصفقات استعدادا للموسم الجديد    بعد الإعدادية.. شروط القبول في مدرسة الضبعة النووية 2025    عرضان من الدوري المغربي.. شوبير يكشف موقف الأهلي حول بيع رضا سليم    يوفنتوس يرفع عرضه لضم جادون سانشو وسط تمسك مانشستر يونايتد بمطالبه    سؤال برلماني بشأن معايير تشكيل المجلس الأعلى للثقافة: يخلو من الشباب    «مش هحل».. هنا الزاهد وسوزي الأردنية تعيدان مقطع «تيك توك» في عرض «الشاطر»    فيلم المشروع x بطولة كريم عبد العزيز يقترب من 137 مليون جنيه خلال 8 أسابيع    موعد المولد النبوي الشريف والإجازات المتبقية في 2025    الصحة تعلن تخريج الدفعة ال12 من الدبلومة المهنية في طب الإنجاب والجراحة DIRMAS    إنقاذ مصاب من موت محقق بعد تعرضه للدغة أفعى سامة بمستشفى أجا المركزي    رئيس قطاع الصحة بالقاهرة يجتمع لمتابعة فعاليات حملة 100 يوم صحة    القومي للبحوث يكرم البوابة نيوز    «عبد الغفار»: حملة «100 يوم صحة» تقدم خدمات مجانية عالية الجودة    بالتنسيق مع الأزهر.. الأوقاف تعقد 1544 ندوة بشأن الحد من المخالفات المرورية    اعرف حظك اليوم.. وتوقعات الأبراج    انتخابات مجلس الشيوخ 2025 اقتربت وهذا جدول الإجراءات المتبقية    عقب جولة تفقدية لكامل الوزير بالإقليمي.. «النقل» تعلن تمديد الغلق الكلي المؤقت للطريق حتى 1 أغسطس 2025    قتلى ومصابون جراء قصف روسي على عدة مناطق في أوكرانيا    محافظ أسيوط يتفقد موقع حادث محور ديروط ويوجه بصرف التعويضات ورعاية المصابين.. صور    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعلنا لنعمك شاكرين وبقضائك راضين    كيف أتغلب على الشعور بالخوف؟.. عضو «البحوث الإسلامية» يجيب    ما حكم اتفاق الزوجين على تأخير الإنجاب؟.. الإفتاء تجيب    انتهك قانون الإعاقة، الحكومة الإسبانية تفتح تحقيقا عاجلا في احتفالية لامين يامال مع الأقزام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



‏«كأنى قد لقيت بك الشبابا»‏
نشر في المصري اليوم يوم 03 - 05 - 2010

شعوب الشرق معروف عنها عاطفيتها ورقة مشاعرها ورهافة أحاسيسها، بخلاف شعوب الغرب‎ الغارقة فى أوحال المادية وما يرتبط بها من جفاف العاطفة وغلظة المشاعر وقسوة‎ القلوب.. وقد عهدنا فى شعوبنا، خاصة الشعب المصرى، عبر عشرات ومئات السنين روح‎ التدين وأجواء الإيمان، التى مكنت من المحافظة على أسس الأسرة، روابط الأخوة، صلة‎ الأرحام، حميمية العلاقات الاجتماعية، حماية الممتلكات العامة والخاصة، مراعاة حرمة‎ المال العام، وصدق الانتماء لهذا الوطن،‎
هذا فضلا عن الأخلاق التى شاعت وعرفت عن أولاد البلد كالرجولة والشهامة والمروءة‎ والوفاء والكرم والجود والنخوة والمسارعة إلى نجدة الآخرين، والوقوف إلى جوار‎ الضعفاء والمظلومين والعطف على الصغير وتوقير الكبير‎..
وهى خصائص ومقومات تميزنا عن غيرنا، لا تعيبنا ولا تنتقص من قدرنا، بل العكس هى‎ نقاط قوة وعلامة صحة وعافية، وتدل على تماسك المجتمع ومتانة بنيانه وصلابة عوده‎.. صحيح حدث تدهور فى منظومة هذه القيم على مدى العقود الأخيرة، وحل مكانها منظومة‎ أخرى دخيلة نتيجة للواقع السيئ، السياسى والاجتماعى والاقتصادى، الذى يعيشه المجتمع‎ المصرى، ويكفى أن ترقب ما يصدر عن الناس من تصرفات وسلوكيات فى الشارع والمركبات‎ العامة ومؤسسات الدولة‎..‎
لكن مع ذلك لاتزال هناك بقية من القيم الأصيلة موجودة، خاصة فى الأحياء القديمة‎ والمدن الصغيرة والقرى، غير أنها فى حاجة إلى إنقاذ عاجل وسريع وذلك بالعودة إلى‎ قيم الإسلام وتعاليمه‎..
فى هذا المقال يدور حديثى حول معنى الوطنية، هذا المعنى الذى التبس عند البعض‎ وتاه أو ضعف عند البعض الآخر.. فى تصورى يرتبط الإنسان منا عاطفيا ونفسيا ووجدانيا‎ بكل مكان حل فيه أو ارتحل إليه أو عاش فيه زمنا، حتى وإن كان هذا الزمن يوما أو بعض‎ يوم.. ويتعمق الارتباط بهذا المكان أو ذاك كلما كانت له ذكريات خاصة أو مواقف فاصلة‎ فى حياتنا، فهذه وتلك تترك آثارا غائرة وتحفر أخاديد عميقة فى ذاكرتنا قلما يمحوها‎ الزمن‎..
فالبيت الذى شهد ميلادنا، والشارع الذى ألفنا السير فيه، والحى الذى كنا نتجول‎ فى أنحائه ونلعب فى أرجائه مع رفاق الطفولة والصبا، كل ذلك له جذوره الممتدة فى‎ وجداننا وقلوبنا وعقولنا، ومن الصعب أن يمحى أو تطويه صحائف النسيان‎..
فى هذه المدينة أو تلك عاش أجدادنا وآباؤنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا‎ وأقرباؤنا وأصحابنا وأحبابنا، ومع كل كانت لنا ذكريات وحقوق وواجبات وعلاقات رحم‎ ومحبة ومودة، لا تنفصم عراها على مر الأزمان، ومثلت جزءا من كياننا وتكويننا النفسى‎ والعصبى والعقلى والوجدانى.. وفى هذه المدينة أو تلك قبور هؤلاء، أو بعض هؤلاء،‎ يدفعنا الحنين إليهم فنزورهم وندعو لهم.. هم مكون أساسى من هذا الوطن، وارتباطنا‎ بهم ارتباط بالوطن‎.
إذا تحدثنا عن الوطنية والوطن لا يمكن أن ننسى وريد الحياة وشريانها، نهر النيل،‎ أجمل أنهار الدنيا وأعذبها، كنا نسبح فى مياهه ونتنزه على شاطئيه، فرادى ومع‎ الأحباب والخلان، إذا ما وقعت عليه أعيننا سلب منا أبصارنا ووعينا وخيالنا وحاضرنا،‎ وتناهى إلى سمعنا هذا الصوت الرخيم الذى طالما شدا بكلمات شوقى‏‎:‎
النيل نجاشى... حليوة أسمر
عجب للونه... دهب ومرمر
وقوله: ومن السماء نزلت أم فجرت من
عليا الجنان جداولا تترقرق
ثم هذا البساط الأخضر الرائع، بساط الخير والحياة، الذى يغطى دلتا النيل ويمتد‎ على طول واديه من القاهرة حتى أسوان.. وتلك البحيرات التى تنتشر على شاطئ‎ البحرالمتوسط.. وهذه الصحراء المترامية التى تحيط بوادينا بجبالها وأوديتها، وما‎ تحمله من ثروات وموارد طبيعية.. ثم هذا الموقع الفريد لمصر والذى تتميز به بين بلاد‎ الدنيا، حيث تمثل همزة الوصل بين قارات ثلاث، أفريقيا وآسيا وأوروبا، وهو ما عبر‎ عنه حمدان «بعبقرية المكان»، فضلا عن إطلالتها البهية على البحرين المتوسط‎ والأحمر.. كل ذلك، أو بعضه، يضع مصر فى حنايا الصدور ويجعلنا حين نبتعد عنها، ولو‎ قليلا، نردد مع شوقى قوله بعد عودته من منفاه‎:‎
ويا وطنى لقيتك بعد يأس‎
إذا تحدثنا عن الوطنية والوطن لا يغيب عن بالنا تلك المدارس التى عايشنا فيها،‎ ونحن صغار، أقرانا لنا زمنا مازلنا نحمل لهم حنينا، أو بعض الحنين، وأساتذة كراما‎ تفتحت أعيننا عليهم وتعلمنا على أيديهم وكانوا جسر التواصل مع التاريخ والجغرافيا‎ والمثل العليا وكانوا خير قدوة لنا ونماذج فذة فى القيم والأخلاق والسلوك ولهم‎ الفضل الأكبر فى تشكيل وعينا وفكرنا وشخصياتنا، هؤلاء سوف نظل نذكرهم بكل الإجلال‎ والاحترام والتقدير‎..
كما لا يغيب عن بالنا أيضا تلك المساجد التى كنا نتردد عليها للصلاة والاستماع‎ إلى دروس العلم والفقه والتفسير وقصص الأنبياء الكرام من مشايخنا وعلمائنا الأجلاء‎ الذين كان لهم دورهم الخلاق فى انتمائنا وحبنا وارتباطنا بهذا الدين العظيم، خاصة‎ فى هذه المرحلة الحساسة من سنوات التكوين، كل ذلك مازال يحتل مكانته السامية فى‎ الذاكرة والوجدان، ويلقى بأزاهيره ورياحينه وعبقه الساحر على تصوراتنا ورؤانا تجاه‎ الوجود والموجود.. كما لا يغيب عن بالنا كذلك جامعاتنا، حيث كان لنا حظ الصحبة‎ الجديدة والأساتذة العظام، والمنهل العذب والأمانى والأحلام والمستقبل المشرق‎ والآفاق الرحيبة التى تتجاوز حدود المكان والزمان‎.
الوطنية إذن ليست مجرد كلمة تتردد على الألسنة، إنها تتضمن كل ما سبق وأكثر،‎ ترتبط به ولا تنفك عنه، هى ترجمة له وتجسيد لكل معانيه.. لأجل ذلك نحن نحب وطننا،‎ نحميه وندافع عنه، نفتديه بأرواحنا ودمائنا، نعمل بكل جد وإخلاص لترتفع رايته‎ ويتبوأ مكانته اللائقة بين الأوطان، مذهبنا فى ذلك‎:‎
بلادى وإن جارت على عزيزة
وأهلى وإن ضنوا على كرام
عند هذه النقطة من المفيد أن نؤكد أنه لا تناقض بين أن تحب بيتك الذى ولدت فيه‎ والمدرسة التى تعلمت فيها والمسجد الذى صاغ وعيك ووجدانك وحدد قبلتك ووجهتك.. كما‎ أنه لا تناقض بين محبتك لمدينتك التى ترعرعت فيها وبلدك الذى احتواك وصهرك فى‎ بوتقته‎..
لقد التفت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى مكة وهو يخرج منها بليل ساعة‎ الهجرة ولسانه يتمتم بهذه الكلمات: «والله إنك لأحب بلاد الله إلىّ، ولولا أن أهلك‎ أخرجونى منك ما خرجت».. ولعلنا نذكر ما تفوه به بلال، رضى الله عنه، حين أصابته‎ الحمى، فى بداية عهد المهاجرين بالمدينة المنورة، من ذكر لمكة المكرمة وجبالها‎ وأوديتها، وحنينه المشبوب إليها‎..
وإذا بالرسول العظيم يقول له: يا بلال دع القلوب تقر. كما أنه لا تناقض أيضا بين‎ محبتك لبلدك، الذى تفخر بالانتساب إليه، ومحبتك لوطنك العربى الكبير الذى تسعد‎ بالانتماء إليه، حيث الدين واللغة والثقافة والتاريخ، ومحبتك كذلك لوطنك الإسلامى‎ الأكبر الذى يضم إخوانك فى العقيدة والهوية والوجهة والهدف‎.
ومن ثم نستطيع أن نقول إن لكل دائرة من هذه الدوائر، ولكل وطن من هذه الأوطان‎ نصيباً فى قلبك ووجدانك.. إن عالم اليوم ينزع إلى إنشاء الكيانات الكبيرة، على‎ المستوى الاقتصادى والسياسى، وذلك لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.. لذا وجدنا‎ الاتحاد الأوروبى، والنمور الآسيوية الستة، والدول الصناعية الثمانى، ومجموعة الدول‎ الخمس عشرة، ومجموعة السبعة والسبعين، وهكذا. نعم لدينا الجامعة العربية، لكنها‎ تحتاج إلى ضخ دماء جديدة فى أوردتها وشرايينها‎..
فى حاجة إلى نقلة نوعية، من حيث الشكل والأداء وآليات العمل واللوائح والنظم وما‎ إلى غير ذلك، حتى تتمكن من أن تنهض بدورها والأعباء الملقاة على عاتقها والآمال‎ المعقودة عليها، وهذا ليس بعسير، خاصة إذا خلصت النوايا وتوفرت الإرادة وصدق العزم‎ ووضح السبيل‎.
من نافلة القول أن نذكر بالحقيقة التى لا خلاف عليها، وهى أن قدر مصر ومكانتها‎ ومنزلتها ودورها، تاريخيا واستراتيجيا، يشكل العامل الحاسم فى نهضة العالمين العربى‎ والإسلامى.. ومن أسف أن نقول إن أداء النظام المصرى ضعيف ومتراجع ولا يتناسب مع هذه‎ الحقيقة، يكفيه أنه لا يستطيع أن يعيش دون العمل بقانون الطوارئ‎!..
إن موقع الزعامة والقيادة يستوجب أن تستعيد مصر قوتها وعافيتها وحيويتها، وهذا‎ لن يتأتى إلا بإحداث ثورة إصلاحية شاملة فى السياسة والتعليم والتنمية تقوم بها‎ أجيال شابة ذات عقول واعية ومتفتحة ومقتحمة، تضع المصلحة العليا للوطن فوق مصالحها‎ الخاصة، تؤمن بالعدل والحرية والمساواة، وليست مرتبطة بالاستبداد أو ملوثة‎ بالفساد‎..‎
أجيال شابة تستنهض همم الجميع، وتتصالح مع كل فئات الشعب وفى مقدمتها الإخوان‎ المسلمون.. أجيال شابة تقضى على الجمود والركود، تفتح أبواب الأمل، توقن بأن هذا‎ الوطن ملك لكل المصريين‎.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.