«ترقب..حبس أنفاس..تجمهر أناس..أصوات عالية».. هكذا كان المشهد على مدار 8 ساعات أمام مقر مشرحة زينهم وسط القاهرة، قبل وصول المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، لتفقد الأوضاع أمام المشرحة، وعمليات تشريح جثمان 34 شخصًا من ضحايا حادث الطائرة الروسية إيبرص، التي سقطت أمس، في شبة جزيرة سيناء، وعلى متنها 224 شخصًا، بينهم 15 طفلاً على الأقل. في تمام الساعة الواحدة ظهرًا، احتشدت قوات الأمن التابعة لمديرية أمن القاهرة، بعناصرها ومجندي الأمن المركز أمام محيط المشرحة، وبدأت قوة من شرطة المرور من تسير حركة الشوارع المؤدية إلى مشرحة زينهم، وأزالت حملة للمحليات إشغالات الطرق. وفي غضون نصف الساعة، كان حشدًا كبيرًا من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية يتجمعون أمام مقر المشرحة، والذين تحدثوا إلى قيادات الأمن عن مواعيد وصول الجثمانين، دون إلادلائهم بأى تصريحات تُشير إلى موعد الوصول، لكنّهم تعمدوا إبعاد الصحفيين بنشر شائعات مفاداها استقبال مستشفيات أخرى في القاهرة لجثمانين الضحايا، وهو ما استجاب له عدد من الصحفيين وانسحبوا من المكان. وعند حلول الساعة الثانية ظهرًا، كانت القيادات الأمنية تأمر أصحاب المقاهى بمحيط المشرحة بإغلاق أبوابها، وطرد أصحابها الصحفيون، الذين أبعدهم «الأمن» عن المنطقة. وفوجئ الصحفيون باستدعاء قوات الأمن للعشرات من عناصر الأمن المركزى، حاملين «المتاريس الحديدية»، وأغلقوا بها شارع محزر المؤدى إلى المشرحة، بعد إخلائه من ممثلى وسائل الإعلام، وقاموا بوضع «المتارس» أيضًا أمام الشوارع المؤدية إلى المشرحة من 4 اتجاهات، وفرضت كردونًا حول المصوّرين، الذين أخضعوا لتفيش واستدعاء بعضهم للاستعلام عن القنوات التي يعملون بها، وتدوين أسمائهم بمعرفة أحد الضباط التابع للعلاقات العامة بوزارة الداخلية. وحتى الساعة الرابعة عصرًا، كان المواطنون يتوافدون لمشاهدة هذا الحشدّ الإعلامي عن كثب، ويسألون عن حادث الطائرة وتفصيليه، وبعضهم قال:إن التلفيزيون المصري يكذب..وأذاع أخبارًا بوفاة 6 أفراد إثر سقوط الطائرة. وقالت سيدة تُدعى «بثينة»، إحدى المتفجرات، التي رفضت طلب الأمن بانسحابها من المنطقة، ل«المصرى اليوم»:«أنا جاية هنا أفكّ عنى نفسى..كل الحوادث اللى بتيجى المشرحة، باجاى اتفرج عليها». وفى الخامسة مساءً، شدّدت قوات الأمن من إجراءاتها التأمينة، بناءً على تعليمات صادرة من اللواء جمال سعيد، حكمدار العاصمة، الذي وصل إلى المنطقة. وقال مصدر أمنى، رفض ذكر اسمه، إن سبب تأخر وصول الجثمانين إلى مقر المشرحة، انتهاء بعض الإجراءات الأمنية، وتوقيع كشوفات طبية مبدئية عليها. وأضاف المصدر، أنه من المقرر حضور ممثلين عن السفارة الروسية إلى المشرحة، للاطئمان على الجثمانين وحالتها. ومن جهتهم، أكد العاملين بالمشرحة، على أن استعدادات مكثفة اتخذها الأطباء منذ الصباح الباكر، وتجهيز الأسرة، وتنظيف الحجرات، لاستقبال الضحايا، وقطع أطباء إجازاتهم لاستدعائهم للعمل. وذكر مصدر طبى بالمشرحة، أنه من المقرر أخذ عينات «دى.إن.إية» من أجساد الضحايا، ومضاهاتها مع عينات مماثلة تأخذ من ذويهم، للتأكد من صلة القرابة. ومن المقرر، أن يصل أقرباء الضحايا إلى القاهرة، لاستلام الجثث، بحسب المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه. وفى تمام الساعة السادسة، وصل إلى مقر المشرحة فريق من النيابة العامة، للإشراف على عمليات تشريح الجثث. وقال مصدر قضائى، إن التصريح بالدفن يحتاج إلى تصريح من النيابة العامة، إضافة إلى إخضاع عملية التشريح ذاتها التي يجريها خبراء مصلحة الطب الشرعى تحت تصرف النيابة، وتدوينها. وفى تلك الأثناء، وصل اللواء خالد عبدالعال، مدير أمن القاهرة، وجلال السعيد، محافظ القاهرة، إلى مقر المشرحة، وتفقدا الأوضاع بداخلها، وانصرافا وسط حراسات أمنية مشدّدة، دون الإدلاء بأى تصريحات إعلامية. وفى تمام الساعة السابعة، كانت أصوات زعيق أفراد الأمن تصرخ في وجه الواقفين أمام السياج الحديدى، لإفساح الطريق أمام عربات الإسعاف، التي أذاعت ال«كلاسكات» إشارة لقرب حضورها. وتبينّ أن 15 سيارة إسعاف، حملت جثمانين 34 من الضحايا، وفقًا لمصدر طبى، مؤكدًا أن مستشفيات عسكرية وأخرى في محافظة السويس ،استقبلت باقى الجثمانين. وبعد نصف الساعة، فاجأ المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، القيادات الأمنية والتنفيذية بحضوره إلى مقر المشرحة، لتفقد الأوضاع وعمليات تشريح الجثث بنفسه. وأفاد مصدر أمنى، بأن وصول «إسماعيل» تم إخطارهم به، من قبل القيادات الأمنية، قبل دقائق من حضوره. وفى الثامنة مساءً، عاد الهدوء من جديد إلى منطقة زينهم، وتنفس السكان الصعداء، بعد انصراف وسائل الإعلام والمسؤولين الحكوميين.
