حضرت ندوة تحت إشراف معهد الدراسات العليا للطفولة عن التواصل عند الأطفال، دعتنى إليها د. منال عمر، وأدار فعالياتها عميد المعهد د. خالد طمان الذى تشرفت بأن كرمنى أنا ود. يحيى الفخرانى وأستاذنا د. أحمد عكاشة والفنان محسن شعلان والمذيعة بثينة كامل.. كانت الندوة غاية فى الثراء والمتعة، وأضاءت لى مناطق كثيرة كانت مجهولة عن أمراض التواصل عند الطفل. هذه الندوة أنعشت ذاكرتى عن تعامل وزارة التربية والتعليم مع قضية التواصل والتعبير عند الطفل، استرجعت ما يحكيه لى ابنى عن حصص التعبير فى المرحلة الإعدادية، يضع المدرس عناصر الموضوع التى لابد أن يتبعها التلميذ وإلا رسب فى التعبير، وبالطبع لابد أن يحشر كالببغاء أكلاشيهات شعرية محفوظة فى بداية الموضوع، لم نسمع طوال مراحل تعليمنا عما يسمونه عناصر موضوع التعبير، فحصة التعبير المفروض أنها تعبير الطفل بلا قيود مسبقة أو خطوط حمراء مرسومة، ومن الممكن جداً أن يعبر الطالب أفضل من أستاذه!.. إذن التعبير من وجهة نظر الوزارة هو التعبير اللى عايزاه الوزارة وليس التعبير الذى يريده الطفل، والذى يجيده الطفل، والذى يبدعه الطفل.. التعبير من وجهة نظر الوزارة سابق التجهيز، تعبير معلب، ما على الطالب إلا أن يفتح العلبة فيجد البضاعة المضروبة التى تبيعها له الوزارة. ملكات الطفل ومواهبه تصادرها الوزارة لأنها تنصب نفسها إلهاً والطالب مجرد عبد فى مملكتها المقدسة، لا يطمع فى أن يدخل جنتها، وعليه فقط أن ينتظر هبتها المعرفية التى ستمنحه إياها بالقطارة وعندما ترغب فقط، عليه أن ينتظر سقوط الثمرة وإذا تجرأ وقطفها فستقطع يده، أما إذا تجرأ ونافسها وزرع الشجرة المحرمة نفسها فالطرد من جنتها هو المصير المؤلم! وسيلة التعبير الأخرى فى المدرسة هى حصة الرسم، التى غالباً ما يقفز عليها ويحتلها هى وحصة الموسيقى مدرس الرياضيات أو التاريخ أو المواد المهمة من وجهة نظر الوزارة المبجلة، فى الرسم أيضاً عناصر موضوع، فغالباً ما يكون الموضوع الزخرفى هو ميدالية للاحتفال بعيد العمال الذى لا يعرفه الطفل أصلاً.. ولكن مايضرش أهو رسم وخلاص، يؤكد المدرس على تلاميذه أنه لابد أن يرسم ميدالية يحتل المفتاح الإنجليزى نقطة المنتصف فيها ثم يوزع الطفل العناصر التى حفظها لهم المدرس على الأطراف وكأنه يوزع أمشاطاً وفلايات فى الأتوبيس! فيرسم أفرولاً أزرق وترساً وشاكوشاً وكماشة!!! لو رسم هذه العناصر سيحصل على الدرجة النهائية فى الرسم التعبيرى الزخرفى، وسيصبح طالباً مطيعاً جميلاً، يرسم الشجرة التى يريدها الأستاذ ليظل بعد ذلك طيلة عمره يرسم الأشجار كما يريدها الآخرون، لا كما يريدها ويتخيلها هو، يظل يتقمص تعبير وخيال الآخرين لا تعبيره وخياله هو، ينمو مشوهاً، يفتقد التواصل لأنه ظل أخرس منذ الطفولة. [email protected]